- أيها الإخوة : للكلمة في معناها ومغزاها وأسلوبها: وقعٌ خاص في نفس السامع، يتأثر بها، وينفعل معها، وربما ارتاح بها واطمأن.
- فالكلمة جواد الفكر، وسفينة الرأي، بها ينتقل الفكر والرأي والنظر إلى آفاق الدنيا، وأطراف المعمورة.
- ولولا نعمة الله بالكلمة، لعجز المفكِّر عن الفكر، وانقطع الناظر عن النظر، ولتعطَّل العقل عن التعقُّل.
- فأنَّى للناس أن يعيشوا في الحياة بلا كلمات يتكلَّمونها، وبلا عبارات يعبِّرون بها، وبلا حديث يتحدَّثون به، فأي عيش يطيب لهم حينئذٍ ؟
- لقد حفظ الله للإنسان من خلال لغة الكلام : ثقافته، وعلومه، ومعارفه، لينقلها من جيل إلى جيل.
- فكانت الكلمة في اللغة وعاءَ الثقافة، وخزينة العلوم والمعارف، حفظت للإنسان تراثه الحضاري والديني.
- فأيُّ عنت يلقاه الإنسان إن تُرك ليعبِّر بغير الكلام ؟ إنه قد يستغرق يومه كاملاً ليعبِّر عن جملة واحدة.
- لقد اختصر الله لنا الزمان حين علَّمنا الكلام، فأكرم أبانا آدم عليه السلام فعلَّمه أسماء الأشياء، وفتح علينا فعلَّمنا البيان.
- إن أول واجب على المكلَّف تجاه نعمة الكلام: أن يستخدمها في مرضاة الله تعالى فيملأ الكلام بتوحيد الله تعالى والثناء عليه.
- فأيُّ كلام أعظم من لا إله إلا الله، كلمة التوحيد العظمى؟ وأيُّ لفظ أحسنُ من قول: سبحان الله، والحمد لله، الله أكبر؟
- وأي حديث أفضلُ من دعوة الناس إلى الهدى، وتعريفهم بربهم عز وجل، وتعليمهم سبل مرضاته، وطريق عبادته؟
- إن أسعد الناس من ملأ حديثه بكلمة الحق، وزيَّن عبارته بلين القول، فلا داهن ولا قسا، ولكن صدقٌ في لطف.
- " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ".
- إن أعظم كلام يقوله المسلم، وأرجى حديث يتحدَّث به: هو الدعوة إلى سبيل الله تعالى ، وهدايةُ الناس إلى الصراط المستقيم.
- وإن أسوأ كلام يتكلم به الإنسان، وأخبثَ حديث يتحدَّث به: هو أن يصدَّ الناس عن سبيل الله، ويُعمي عن صراط الله المستقيم.
- فرُبَّ كلمة حق يقولها الرجل: ترفعه عند الله منازل عالية لا حدود لها، وربَّ كلمة باطل يقولها: تهوي به دركات لا نهاية لها في نار جهنم.
- أيها الإخوة: لقد امتطت الكلمة منذ القديم وسائل متعددة لتصل إلى الناس، فركبت الشعر والنثر، وأخبار العرب وقصصهم.
- وكانت الكلمة تفعل في العرب فعلها، فكانت وراء إشعال الحروب، وقتل النفوس، وهلاك الدول، وتقطيع الأرحام.
- حتى إذا تطوَّرت الآلة، وظهرت الطباعة أخذت الكلمة مكانها في توجيه الناس، والتأثير على الرأي العام، فكانت الكتب والجرائد والمجلات.
- وما لبثت الحياة طويلاً بعد الطباعة حتى ظهر المذياع ، ثم التليفزيون ، ثم الفضائيات ، ثم الشبكات العنكبوتية المذهلة.
- فأصبحت الكلمة تصل إلى كلِّ أحد في هذا العالم، محمولةً في أجمل وأبهى إطارٍ، تحفُّها : الصورة والنغمة والألوان.
- حتى إن الكلمة الباطلة لتتزين عبر وسائل الإعلام، وتلبس ثوب الحق، وربما قالت فعلاً بالحق ؛ لتصل من وراء ذلك إلى الباطل.
- لقد أفحشت وسائل الإعلام المعاصرة في العبث بعقول الناس، واللعب بعواطفهم، واستغلال حاجاتهم ، ودغدغة شهواتهم.
- لقد دخل الإعلام بوسائله المتنوعة إلى عمق حياة الناس، حتى إن الشاشة الصغيرة لتسترقُّ الناس، وكأنهم عبيد بين يديها.
- ينسى أحدهم نفسه أمام الشاشة، فيغيب عن واقعه، مستغرقًا فيما يشاهد، لا يفعل مثل هذا في الصلاة، ولا عند قراءة القرآن ، ولا في خطبة الجمعة.
- أيها الإخوة: إن الناس في هذا العصر يتعرَّضون لأبشع أنواع الاستعباد عبر وسائل الإعلام، التي تتحكَّم فيها شرذمة متنفِّذة من وكالات الأنباء، ومؤسسات الإنتاج الإعلامي والإعلان، وحفنةٌ من الشركات الاقتصادية الكبرى ، العابرة للقارات.
- يتسلَّطون على الناس من خلال الصنعة الإعلامية المتقنة، فيصلون إلى أهدافهم السياسية والاقتصادية والاستعمارية.
- يقلبون الحقائق، ويزيِّفون الوقائع، ويشوِّهون الحق، حتى ملأوا الدنيا بالزيف والباطل والضلال.
- لقد غاب المسلمون في هذا العصر عن الصناعة الإعلامية، وبقوا قابعين في ركب المقلدين، يردِّدون الباطل، ويعرضون الفساد.
- حتى إن الناظر في الإعلام العربي المعاصر، ليتساءل: ما علاقة هذا الإعلام بعقيدة العرب المسلمين، وأخلاقهم ومصالحهم؟
- إن الإعلام العربي لا يعدو أن يكون – في غالبه – صورة مكررة عن الإعلام الغربي، يحكي طريقته، ويبلِّغ رسالته.
- إن الإعلام في المفهوم الإسلامي: هو لسان الأمة المسلمة الناطق بالحق، المعبِّر عن عقيدتها وأخلاقها، وقِيَمِها ومبادئها.
- إن الإعلام الإسلامي: هو الكلمة الطيبة، والخبر الصادق، والبرنامج الهادف، إنه الرسول الأمين بين العالم والمواطن العربي من جهة ، وبين الأمة المسلمة والآخرين من هذا العالم.
- وليس هو الإعلام الخائن العميل، الذي يعمل لغير صالح أمته، يحطِّم الأخلاق، ويزِّيف الحقائق، ويُلهي عن الحق.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :" وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ".
* * *
- أيها الإخوة : إن الناظر في وسائل الإعلام المعاصرة لا يخالجه شك أن الإعلاميين قد عزموا على خطة محكمة تهدف إلى تخريب العالم وإفساده.
- فعلى ماذا عزم المواطن العربي المسلم؟ هل يُسلم نفسه لهذه الوسائل تعبث بفكره وعقيدته وأخلاقه، أم يستعلي عليها بالإعراض عنها؟
- إنه لا فرق بين القائل بالباطل وبين السامع للباطل، فكلاهما يشترك في جريمة واحدة.
- اللهم اكفِ المسلمين شرَّ الأشرار، وكيد الفجار.