- أيها المسلمون : إن من ألحِّ المشاعر، وألصقها بالإنسان، وأكثرها أهمية: الشعور بالأمن على : النفس والعرض والمال.
- بحيث يشعر الإنسان وينعم بالأمن على ذاته فلا يُؤذى، ولا يناله ضرر من: ضرب أو جرح أو قتل.
- وكذلك يشعر وينعم بالأمن على عرضه، فلا تُنتهك حُرمته بفاحشة من فعل أو قول.
- وكذلك يشعر بالأمن على ماله، فلا يُسرق ولا يُغتصب ولا يُتْلف، ولا يأخذ أحدٌ منه شيئاً إلا برضاه وبطيب نفسه ، ويجد من هذا المال ما يكفيه وأهله وولده.
- أيها الإخوة : إن الشعور بالأمن حاجة مُلِحَّة وضرورية للإنسان السوي، يحتاج إليه كما يحتاج : الطعام والشراب واللباس والسكن.
- وإن المسلم المعاصر ليهوله حجم الاختلال الأمني الذي تحياه البشرية المعاصرة ، في ظل طغيان الحضارة الغربية وتسلُّطها.
- لقد أثبت الواقع المشاهد إخفاق الأنظمة الغربية – بكل مؤسساتها – في تحقيق الأمن للإنسان المعاصر.
- وها هي وسائل الإعلام المختلفة تُطلعنا في كلِّ يوم على ما يُؤلم القلب، ويحزن النفس، فأينما نظرت فثمَّ : قتل، وتشريد، وجوع، وآلام.
- إن الوضع الأمني في عالم اليوم ليخجل الحكومات وادعاءاتها، ويضعها في قفص الاتهام أمام شعوبها ومواطنيها.
- أموال بلا حساب، تقتطع من أقوات الشعوب؛ لتنفق على أجهزة الأمن بسخاء، ثم بعد ذلك لا أمن ولا أمان.
- بل إن المواطن البائس في هذا العالم ليدخله الشك في صدق هذه الأجهزة الأمنية ومصداقيتها.
- ففي ظلِّها تُزهق الأرواح، وتُنتهك الأعراض، وتُغسل الأموال، ويُعمل بالفاحشة، ويُؤكل الربا، وتضيع الحقوق.
- أيها الإخوة: بماذا يُفسَّر تزايد نسب الإجرام بصورة مطردة في عالم اليوم، أليس هذا دليلاً على إخفاق أجهزة الأمن في العالم ؟
- إن حجم الجريمة في عالم اليوم شيء عظيم وكبير، لا يكاد يتخيله الشخص العادي، نسب وأرقام تفوق التقدير والوصف.
- كما أن نوع الجريمة وغلظها شيء تهتز له القلوب، وترتعد له الفرائص، عراقة في الإجرام، وتعمُّق وانغماس في الفساد إلى أبعد الحدود.
- لقد سجَّل التاريخ المعاصر من مخازي الجريمة وانتشارها ما لا يغسله ماء البحر، وسوف يبقى هذا التاريخ المخزي وصمة عار على هذا الجيل على مرِّ التاريخ القادم.
- إن التاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولن يعفو عن المقصِّرين، وسوف تسلقنا الأجيال القادمة على تقصيرنا بألسنة حداد محرقة.
- كأنا بهم يصيحون بنا في مستقبل الحياة: أين العقلاء؟ أين أهل الغيرة والحمية؟ أين الحكام؟ أين رجال الأمن؟ أما كان أحد يستطيع أن يعمل شيئاً في وجه الجريمة والمجرمين ؟
- فبماذا ترانا نجيبهم؟ أنقول لهم كما قالت المرجئة : الله قدَّر علينا أن نكون فاسقين مجرمين، الله قدَّر علينا أن نكون عصاة مخطئين.
- أيها الإخوة : إن عالم اليوم يكاد يكون قرية واحدة، يموج بعضه في بعض، فقد نالنا في بلادنا هذه نصيب وافر من حجم الجريمة ونوعها.
- فليس من جريمة في هذا العالم إلا وقد نالنا في بلادنا نصيب منها، حتى إن كبار السن فينا ليهولهم ما وصل إليه حالنا.
- وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، حتى إنْ كان منهم من أتى أمَّه علانية، ليكوننَّ في أمتي من يصنع ذلك».
- أيها الإخوة: إن العاقل في هذه البلاد ليفزع لما تنشره وتبثه وسائل الإعلام المحلية من نسب الجرائم وأنواعها ، وما يقع فيه بعض الناس من الفساد.
- من يصدِّق أن في بلاد الحرمين الشريفين دوراً للدعارة، ومصانع للخمور، ومروِّجين للمخدرات، ولصوصاً مخطِّطين على أعلى المستويات ؟
- من يصدِّق أن فتاة تقتل والدها، وأن رجلاً يقتل زوجته وأولاده، وآخر يبيع عِرضه وينتهكه، وشباب يهتكون عرض طفل، وأشلاء ممزقة في حاوية القمامة، وسلوكاً مشيناً في حرم الله تعالى ، وسرقة عند الحجر الأسود، وما خفي كان أعظم ؟
- من يصدق أن امرأة عجوزاً يدخل عليها من يقتلها على سريرها وهي نائمة آمنة ، ورجلاً يختلف مع زوجته فيستشيط غضباً فيضع طفله الرضيع تحت كَفَرِ السيارة ويدهسه، وشاباً لا يجد وظيفة، فيشعر بالإحباط، فيفتح النافذة ويلقي بنفسه منها وينتحر ؟
- يغيب أحدنا عن بيته يوماً أو يومين، فيأتي وقد خلا البيت من كلِّ شيء، وربما وضع سيارته في المساء عند باب بيته ، فيخرج في الصباح فلا يجدها.
- أيها الإخوة: إن كبارنا يدركون تماماً حجم الأمن الذي عشناه في بلادنا قبل أربعين أو خمسين عاماً.
- لم يسمعوا عن إجرام المرأة أو الشباب، ولا السرقات أو التفجير أو التكفير.
- لقد كان صاحب الدكان لا يزيد عن خرقة من قماش يضعها على دكانه، ثم يذهب ينام قرير العين.
- وربما ترك بعضهم باب بيته مفتوحاً في الليل، فلا يدخل أحد، ولا يجرؤ على ذلك.
- ولا يعني أن مجتمعنا في السابق كان معصوماً من الخطأ، وإنما المقصود أن الإجرام لم يكن ظاهرة اجتماعية كما هو واقعنا اليوم.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ".
* * *
- أيها الإخوة : ما نعيشه اليوم من آلام الجريمة في بلادنا، إنما هو تراكمات أخلاقية قصَّرنا في إنكارها وإصلاحها فتفشت وانتشرت.
- إن الله أمرنا أن ننكر المنكر، ونأمر بالمعروف، ونأخذ على يد الظالم منا حتى يستقيم وينضبط بالضوابط الخلقية.
- إن الأمن مسؤولية الجميع، يشترك فيه كلُّ فرد في المجتمع ، وكأننا في سفينة في عرض البحر ، يحرص الكل على سلامتها ونجاتها.
- إن الشخص الذي يجاهر بمعصيته في المجتمع ، ولا يبالي بمن حوله من الناس، ثم لا يجد من ينكر عليه ويؤدِّبه: إنما يخرق في سفينة المجتمع، ويسعى في إغراقها.
- أيها الإخوة: لقد ثبت يقيناً، أن ضعف الإيمان هو العنصر الأساس في جميع أنواع الجرائم : صغيرها وكبيرها.
- وما لم نعتمد التربية الإيمانية أساساً لنا، فلن نتوقع تحسُّناً في حياتنا الواقعية.
- ولكن المشكلة في مصادر التربية الإيمانية، أين يجد الناشئ التربية الإيمانية؟
- هل يجدها في البيت الذي لا تقام فيه الصلاة؟! أم المدرسة المتعثرة؟ أم الشارع الفاسد؟
- هل تراه يجد التربية الإيمانية في وسائل الإعلام، التي ما فتئت تنخر في جسد الأمة وأخلاقها حتى قتلتها أو كادت؟
- أيها الإخوة: إننا في حاجة إلى بناء أنفسنا من جديد، في حاجة إلى صياغة أنفسنا صياغة إيمانية أخلاقية.
- إننا في حاجة إلى التقوى التي تعمر الصدور، وتقف بنا عند حدود الله تعالى، لا نتخطاها ولا نتجاوزها.
- ولكن أنى لنا أن نربي أجيالنا على الإيمان والأخلاق والتقوى، ضمن واقع عالمي يعجُّ بالفساد والضلال والكفر.
- لا شك أنها مهمة صعبة وشاقة، ولكنها ليست مستحيلة: " وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ".