- أيها الإخوة : في مثل هذه الأيام المباركات قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، ووعظهم ، وبين لهم ما يحتاجون إليه لدينهم ودنياهم .
- ولقد كانت كلماته – عليه الصلاة والسلام- التي ألقاها على الناس وجيزة لا تكلُّف فيها ، تناولت أهم القضايا .
- وعند مراجعة خطبه صلى الله عليه وسلم في أيام الحج نجدها تركِّز على خمسة جوانب : الجانب الإيماني ، والاجتماعي ، والأسري، والسياسي , والاقتصادي .
- ففي الجانب الإيماني : أكَّد الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتصام بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففيهما الحق المطلق ، والهدى ، والفلاح في الدنيا والآخرة.
- كيف يضلُّ من تمسك بهما ؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : « تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله وسنتي » .
- كما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم في الجانب الإيماني من أمر الجاهلية وثاراتها ، وتعظيمها للآباء والأجداد ، وما فيها من العادات والعبادات القبيحة والباطلة .
- إن منهج الإسلام يصوغ أصحابه صياغة جديدة كاملة، لا تُشبه أمر الجاهلية في شيء : " صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ " .
- وفي الجانب الاجتماعي : حَرَّمَ الرسول صلى الله عليه وسلم أعراض المسلمين بعضهم عَلَى بَعْض ، فلا يذكـر بعضُهم بعضاً إلا بالخير ، فلا غيبة ، ولا بهتان ، ولا ظلم .
- فالمسلم لأخيه كالبنيان يشد بعضه بعضاً ، يدفع عنه الأذى ، ويسعى في حفظ كرامته من أن تُنتهك ، ويراعي حرمته .
- وفي الجانب الأسري : أكَّد على ضبط العلاقات الزوجية ، فأمر الرجال بالنفقة والكسوة والعشرة بالمعروف ، والوفاء بشروط النكاح .
- وأمر النساء -في الجانب الآخر- بالطاعة والالتفات إلى البيوت ، وعدم الإذن فيها إلا بأمر الزوج ، فإن خالفن كان التأديب المنضبط.
- وفي الجانب السياسي: حَرَّمَ الرسول صلى الله عليه وسلم الدماء؛ فإن للمسلم كرامة عظيمة عند الله تعالى، فإن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم .
- ولا شك أن تحريم الدماء عصمةٌ من الفتن والحروب التي يمكن أن تُثار بين المؤمنين .
- وفي الجانب الاقتصادي : حرَّم الرسول صلى الله عليه وسلم الربا ، آفة الاقتصاد ، وسبب تلوُّث الأموال ، فهو أعظم أسباب التخلف الاقتصادي .
- إن الإسلام بتحريمه الربا يعطي فرصة للجميع : صاحب المال ، والعامل ، يعطيهم فرصة للعمل والجد ، ويعرِّضهم جميعاً للربح والخسارة على حدٍّ سواء.
- وأما النظام الربوي فإن صاحب المال يقدِّمه بلا جهد ، وهو دائماً في ربح لاخسارة عليه ، وهذا ظلم للعامل الذي يتعرض للربح والخسارة.
- والإسلام قام على العدل وتحريم الظلم ، فلا بد أن يشترك الجميع في المغرم كما يشتركون جميعاً في المغنم .
- أيها الإخوة : هذه مجمل نصائح النبيصلى الله عليه وسلم وتوجيهاته في أيام الحج، وهي آخر أيامه من الدنيا .
- فلنعرض هذه التوجيهــات النبوية على حياتنا ، ولننظر إلى مدى موافقتنا لها ؟
* * *
- أيها المسلمون : لقد أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته قواعد نظام الحياة التي بها يصلح حال الناس ، وتستقيم أمورهم .
- فهل أخذ المسلمون بنصائح نبيهم صلى الله عليه وسلم أم هم عنها معرضون ؟
- أين المسلمون اليوم من كتاب ربهم وسنة رسولهم صلى الله عليه وسلم ، في الدساتير ، والتشريعات ، وواقع الحياة العملية ؟
- كم هي مظاهر الجاهلية في حياة المسلمين اليوم في كثير من عاداتهم وعبادتهم ، وفي تقليدهم للكفار ؟
- ما هو حجم شعورنا بحرمة أعراضنا حين يسعى بعضنا في أذيَّة بعض ، ضمن مسالك خلقية قبيحة مثل : الغيبة والنميمة والبهتان ونحوها ؟
- كم هو حجم تطبيقنا لأحكام الأسرة في حياتنا الزوجية ؟ فهذه المحاكم شاهدة على : المظالم الأسرية ، والتعسُّف في المطالبة بالحقوق ، والاستغلال غير المشروع بين الزوجين.
- أين هي حرمة الدماء في حياة المسلمين السياسية ، أليس المسلم اليوم رخيص الدم ، مستباح الحرمة ، يُقتل بالتهمة ، ويُحاسب على الظنَّة، وربما أبيد المئات في الفتن الطاحنة؟
- أين الواقع الاقتصادي من الإسلام ، هل بقي مال لم يخالطه الربا ، ما هو واقع التجارة في السلع المحرمة ، ما مدى مشروعية المعاملات والأنشطة الاستثمارية والتجارية ؟
- أين المسلمون اليوم من نصائح نبيهم صلى الله عليه وسلم ؟
ـ إن مخالفة هذه النصائح النبوية هي سبب تقهقر المسلمين وتخلفهم وتفرًُّقهم ، ولن يصلُح آخرُ هذه الأمة إلا بما صلح به أوَّلُها ، من الاستمساك بالحق والصبر عليه .