- أيها الإخوة : لقد استقر عند المسلمين جميعاً فضلُ شهر رمضان على سائر الشهور ، فأوَّله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار .
- وهو سيد الشهور ، فضَّله الله على سائر الشهور ؛ لما فيه من الكرامة والخير والبركة ، وعظيم الأجر والثواب .
- ما أن يدخل الشهر حتى تفتح أبواب الجنة ، وتغلق أبواب النار ، وتصفَّد الشياطين ، فلا يخلصون من العباد إلى ما كانوا يخلصون منهم في غير رمضان .
- لقد ارتبط شهر رمضان بالخير للمسلمين ؛ فإن كانوا في ضيق وسَّع الله عليهم ، وإن كانوا في حرب نصرهم الله .
- تزداد فيه الأرزاق ، وتكثر فيه البركات ، يقوى فيه الناس على الصلاة ، وتزداد فيه النفقة في سبيل الله .
- حتى إن بعض الناس لا يكاد يتصدق طوال عامه ، حتى إذا جاء رمضان أنفق وتصدَّق وبذل .
- أيها المسلمون : ولئن كان رمضان قد حُشي بالخير من أوله إلى آخره ، قد عمَّته البركة في أيامه ولياليه ؛ فإن أعجب ما في رمضان ، وأغرب ما فيه هو عشره الأخير، فهي زبدة الشهر ، وأجلُّ ما فيه .
- يستدرك فيها المقصِّر ما فاته ، ويلحق فيها المتأخر من سبقه ، فيأتي في الأول ، وكأنه ما فاته شيء .
- نعم أيها الإخوة : ماذا فات من أدرك ليلة القدر ، فقامها إيماناً واحتساباً ، وتَأدَّب فيها مع الله ومع عباده ؟
- لقد نال المنى ، وحصل له المقصود ، وبلغ المأمول ، لقد جاء متأخراً ، ولكنه بهذه الليلة سبق الجميع .
- إنها ليلةٌ العبادة فيها تفوق عبادة ألف شهر ، يحوز المقبول فيها ما لا يتصوره من عظيم الأجر والثواب .
- إنها ليلة عظيمة ، تتنزل فيها الملائكة ، وتحفُّها من أولها إلى الفجر ، قد ازدهرت بالأنوار والإشراقات .
- من خصَّه الله بكرامته في هذه الليلة : يحصل له من انشراح الصدر ، وإشراق النفس ، وصفاء الروح : ما هو كثير وعظيم .
- حتى إنه يشعر بالملائكة من حوله ، ويرى الأنوار في كلِّ مكان ، حتى إنه ليغيب عمن حوله في صحبة الملأ الأعلى .
- يلهج لسانه بالدعاء : « اللهم إنك عفو كريم تحب العفو ، فاعف عني »، ولا يملُّ من الذكر والتسبيح والتهليل ، وقراءة القرآن .
- لقد ملك عليه القرآن كلَّ وقته ، يقرؤه في الليل والنهار ، لا يملُّ من القراءة ، فهو في شهر القرآن .
- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول (ألم) حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف » .
- ويقول أيضاً : « اقرأوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه » .
- إنها الغنيمة الكبرى ، والصفقة العظمى أن ينال العبد شرف ليلة القدر ، فيكون فيها من المقبولين .
- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه » .
- وقد ثبت يقيناً أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ، وآكد لياليها الوتر من العشر الأواخر .
- وأرجى ليالي الوتر ليلة السابع والعشرين ، من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه .
- وإن من أعجب العجب أن تمرَّ هذه الأيام الفاضلة ، والليالي المباركة على أناس لا يعرفون لرمضان مَزيَّة على باقي الشهور .
- يدخل عليهم الشــهر وينقضي ، فلا صــلاةً صلَّـوا ، ولا قرآناً قرأوا ، ولا صدقة تصدقوا ، إنهم لهمُ المحرومون حقاً.
- يقول عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن هذا الشهر قد حضركم ، وفيه ليلة خيرٌ من ألف شهر ، من حُرمها فقد حُرم الخير كلَّه ولا يُحرمُ خيرها إلا محروم».
- اللهم إنَّا نعوذ بك من الحرمان والخذلان في يوم كرامتك وفضلك.
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم : " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " .
* * *
- أيها المسلمون : ولئن كان الله بفضله قد حجز عنا شياطين الجن ، فلا يخلصون منا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان ، ولكن من لنا بشياطين الإنس ، ولصوص القلوب ، سُرَّاق الحسنات ، الذين يحولون بيننا وبين فضائل هذا الشهر .
- إن
العاقل ليتعجَّب من إصرارهم على الباطل
، وإمعانهم في الفساد ،
لا يستحيون من
الله ، ولا من عباد الله .
- لا يقدِّرون حرمة الشهر ، بل يعتبره بعض الإعلاميين موسماً لبرامج جديدة ، تفتن المشاهدين ، وتعبث بالصائمين .
- ولئن كان الذي فاته الصيام والقيام مغبوناً : فإن الذي صام وصلى ثم ضيَّع حسناته أمام الفضائيات أكثر منه غبناً وخسارة .
- اللهم
نعوذ بك من الخذلان والضلال بَعْدَ الهدى
.