- أيها
المسلمون : جاء رمضان بإشراقاته وأنواره ، جاء رمضان بجلاله وإجلاله ، جاء بالرحمة
والمغفرة ، والعتق من النار .
- جاء
رمضان بالفضل والإحسان ، جاء بالجود والإنعام ، جاء رمضان يُلبسنا ثوب التقوى
والإخلاص.
- جاء شهر
القرآن والإيمان ، جاء شهر الصلاة والمسجد والتراويح ، جاء شهر الصدقة والزكاة
والإنفاق .
- جاء شهر
الدعاء والبكاء ، جاء شهر الحرم والكعبة والعمرة ، جاء شهر التنافس في الخيرات .
- جاء شهر زكاة
الروح وطهارة النفس ، جاء شهر الصبر وحسن الخلق ،
جاء شهر ضبط النفس وحفظ اللسان .
- جاء
رمضان بالجهاد ، جهاد النفس بالطاعات وضبط الشهوات ، وجهاد العدو بالحرب والقتال والاستشهاد
.
- جاء شهر
الفطام عن الملذات ، والتبتُّل والاعتكاف ، جاء شهر التوبة والإنابة والصدق مع
الله .
- أيها
الإخوة : جاء شهر رمضان بمدرسته الكبرى ، وجامعته العظمى ، يؤدِّبنا ويهذِّبنا ،
ويرتقي بنا إلى الأعلى .
- يرفعنا
بأحكامه وآدابه من حضيض الشهوات إلى مراتب الكمالات ، ومن حمئة المعاصي إلى درجات
الطاعات .
- لقد فتح
الله لنا في رمضان أبواب الخير كأوسع ما يكون ، حتى إن التمرة الواحدة لترفع
صاحبها إلى أعلى الجنان ؛ حين يقدِّمها المسلم لأخيه المسلم.
- لقد ادَّخر
الله للصائمين الصادقين من الأجور ما لا يخطـــر لهم ببـال ، ولا مرَّ لهم على
خيال.
- إنه شيء
عظيم ، وجلال كبير، وقـــرَّة عين لا تنقطــــع ، وراحــة نفس لا تنتهي، وأنوار لا
منتهى لها .
- ولكن -
أيها الإخوة - لنتساءل فيما بيننا : هل نحن بواقعنا هذا الذي نعيشه على مستوى
رمضان ؟
- هذا
الشهر الكريم ، الذي حشاه الله بالفضائل والمكرمات ، وأودع فيه أنواع الخيرات ، هل نحن بالفعل على مستوى هذا الشهر ؟
- هل
الطائعون منا - فضلاً عن المذنبين والمقصِّرين - هل هم بالفعل على مستوى فضائل ومقامات هذا الشهر ؟
- إن رغبة
السلف في أن تكون السنة كلُّها رمضان لم تأت مِن فراغ، وإنما مِنْ إدراك لحقيقة ومكانة
هذا الشَّهْر ، وعظيم مقامه عند الله تعالى.
- لقد كان
بعض السلف يجتهد في رمضان اجتهاداً لا مزيد عليه ، من : إتقان الصيام، وطول القيام
، وقراءة القرآن .
- يصِلون
الليل بالنهار ، والنهار بالليل ، يعمرون الشهر بالصالحات ، ويخافون فوات الزمان ،
وضياع الأوقات .
- لقد أدرك
السلف بيقين أن فوات الشهر دون عمـل صالح : خسارة عظيمة ، يستحيل تعويضها أو
تداركها ؛ ولهذا شمَّروا واجتهدوا .
- ثم
تعاقبت أجيال بعد أجيال ، يتوارثون هذا الشهر ، بين محسن ومسيئ ، ومجتهد ومقصِّر .
- حتى جئنا
نحن في أعقاب الزمن ، بكل ما نحمله من
المخازي والتقصير والتفريط ، نرث هذا الشهر الكريم .
- إن كرم
الله في هذا الشهر لم يتغيَّر ، وفضائل رمضان لم تتبدَّل ، وإنما التغيُّر
والتبدُّل طرأ علينا نحن أمة الإسلام .
- لقد دخل
الشهر علينا أمة الإسلام ، ونحن متخلفون اقتصادياً ، ومفكَّكون سياسياً، ومنهزمون
عسكرياً، ومنحطون أخلاقياً .
- جوع وفقر
وجهل وحرب واضطهاد يحاصر أمة الإسلام في كثير من البقاع، فأيُّ صيام وقيام وقرآن ؟
- لو كان
لشهر رمضان لسان لهجانا ، ولو كان الاختيار بيده ما أشرق علينا ، ماذا يريد من أمة
لا تعرف قدره ولا ترقى لمستواه ؟
- ولكنه
قضاء الله وسنته الماضية ؛ لذا يعاودنا الشهر في كلِّ عام ، يشهد علينا بتقصيرنا ،
يشرق ثم يغرُبُ ويمضي ، ويذهب شاهداً على العباد بما اقترفوه من الأخطاء ، وبما
اكتسبوه من الصالحات .
- إن أقلَّ
ما ينبغي أن يستشعره الواحد منا أنه مقصِّر ، وأن أعمالنا دون مستوى فضائل الشهر
ومقامه العظيم .
- ولا
يمنعنا هذا الاستشعار من خير نقوم به ، مهما كان يسيراً ، أو شر نجتنبه ، مهما كان
صغيراً ، فالعاقل من قدَّم لنفسه ، والمغرور من أتبع نفسه هواها.
- أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم : " يَا أَيُّهَا
النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن
يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ".
* * *
- أيها
المسلمون : إن فرض الصيام ليس خاصاً بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو
فرض شَمِلَ أهل التوحيد منذ آدم عليه السلام ، فهو سنة باقية ماضية من أول الدهر .
- ونحن حين
نصوم نشارك أهل التوحيد منذ العصور السابقة إلى العصور اللاحقة إلى قيام الساعة،
ندخل معهم في عداد أهل الصيام من الموحِّدين.
- ثم إن
ثمرة الصيام الحقيقية هي التقوى، التي تعمر القلوب، فتطهِّر الباطن، وتُصلح السلوك
الظاهر من الإنسان.
- فما أعظم
مصيبة من لم ينتفع من صيامه إلا الجوع والعطش ، صام جسمه ولم يصم قلبه .
- ويا فوز
من صام وتقبَّل الله منه ، فإنه كفارة لما مضى من الذنوب ، ورفعٌ للدرجات ، وترقٍ
في الكمالات .