- أيها
المسلمون : خلق الله تعالى الخلق وقدَّر أن يكون منهم المؤمن والكافر، كما قال
عزوجل : " هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ".
- فأما المؤمنون
فهم على ثلاث مراتب : السابق بالخيرات ، والمقتصد ، والظالم لنفسه ، فكلُّهم
يشتركُ في الإيمان إلا أنهم يتفاوتون في المراتب .
- وأما
الكافرون فهم أيضاً على ثلاث مراتب : أولها : الكافر الأصلي ، ثانيها : المرتد
المعلن لردته ، وثالثها : المنافق المستتر بكفره.
- وهذه
الفئة الأخيرة أخطر فئات الكافرين ، فهي تشترك مع الكفار في الكفر والعداء للإسلام
والمسلمين ، وفي الوقت نفسه ينْعمون بين المسلمين بالأمن والأمان ، ويتخللون جميع
فئات المجتمع المسلم ، ويدخلون في كلِّ طبقاته ، وفي كل شؤونه .
- فقد تجد
منهم الرئيس ، والوزير ، والضابط ، والمفكِّر ، والصحفي ، والتاجر ، والمسكين ،
وقد تجد منهم العَالِم بالدين أو الدنيا .
- فأيُّ
خطر يمكن أن يصدر عن هذه الفئة الكافرة ، وهي تعيش متخفية بين المسلمين ، تتستَّر
بثوب الإسلام .
- إن الفرق
كبير جداً بين عدوٍ تعرفُهُ ويعرفُك ، وتستعد له ويستعد لك ، وبين عدوٍ يعرفُك ولا
تعرفه ، ويستعد لك ولا تستعد له .
- أيها المسلمون : النفاق الأكبر هو : إظهار
الإيمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب ، فهو دخول الإسلام من وجه ، والخروج منه من
وجه آخر .
- وهؤلاء
المنافقون على ثلاثة أصناف : صنف دخل الإسلام متظاهراً بالإيمان ، وهو لا يزال على
أصل كفره ، لم يؤمن طرفة عين ، وصنف أسلم عن صدق ثم بدا له فارتدَّ ، ولكنَّه لم
يعلن ردَّته ، وبقي يتظاهر بالإسلام خوفاً على نفسه ، وصنف نشأ في الإسلام من
أبوين مسلمين، ثم لما كبُر وعقل : جحده دون أن يعلن جحوده .
- فهؤلاء
من الأصناف الثلاثة يشتركون في الكفر ، ويشتركون في التظاهر بالإسلام ، على اختلاف
أصنافهم .
- لقد
عانى المسلمون من هذه الأصناف المنافقة معاناة عظيمة ، فمنذ أن انتصر المسلمون في
معركة بدر وحتى الآن وهذه الفئات الخبيثة لا تزال تعمل عملها في الإضرار بالأمة
والتربص بها ، وإفساد حالها .
- لقد بدأ
النفاق زمن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
بعبد الله بن أُبي بن سلول ، ومعه نحوٌ من سبعين رجلاً ، أخفوا الكفر وأظهروا
الإيمان .
- فقد كان
لهم أدوار خطيرة في إيقاع البلبلة بين المسلمين وإفساد ما بينهم من الأخوة والمحبة
، والسعي في كشف عوراتهم للكفار ، وإيقاع الوهن فيهم والكلام في أعراضهم.
- ثم استمر
النفاق بعد عصر النبوة، بدخول فئات كافرة في حكم الإسلام، مثل عبدالله بن سبأ
اليهودي، الذي كان وراء فُرقة المسلمين، وسبباً في حروبهم الأولى فيما بينهم.
- ثم ظهر
المنافق الزنديق ميمون القداح اليهودي ، فعبث في عقائد المسلمين، وألَّف فرقاً
ضالة ، لا تزال تمارس ضلالها حتى اليوم .
- وظهر
المنافق الشيعي ابن العلقمي، الذي كان سبباً في سقوط دولة الخلافة العباسية على يد
التتار في منتصف القرن السابع الهجري.
- وظهر بعد
ذلك جمع من اليهود الأسبان ، ممن يُسمَّون بيهود الدونمة ، تظاهروا بالإسلام وعلى
أيديهم سقطت الخلافة العثمانية .
- إضافة إلى
تعاون المنافقين في العصر الحديث مع المستعمر الأوربي في استعمار البلاد الإسلامية
، وضياع أمجادها.
- أيها
المسلمون : إن مسلك النفاق ليس خاصاً بالمسلمين ؛ فإن أول من مارسه هو إبليس حين
اندس بين الملائكة عابداً مخبتاً حتى انكشف أمره .
- ومارسه
اليهود أيضاً حين أرادوا العبث بدين النصارى ، فحصل لهم ما أرادوا، وهكذا فإن
تاريخ هذا المسلك طويل وخطير .
- إن
الناظر في صفات المنافقين كما صــوَّرها القــرآن الكريم يجدهم أناساً لا يحبون
حكم الله ولا يرضون به ، كُسالى عند القيام بالواجبات الشرعية ، لهم قلوب قاسية ،
وشغف شديد بالدنيا وملذاتها ، ويجمعون بين العديد من الصفات القبيحة مثل : البخل
والكذب والجبن والتملُّق والخداع .
- ومن أعجب
مسالكهم أنهم - رغم فسادهم وضلالهم – يزعمون فيما يقومون به من الأعمال: الإصلاح
والصلاح : " وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ
قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ " .
- ولهذا
تراهم يقفون ضد الشريعة الإسلامية؛ بحجة أنها لا تناسب العصر ، وتراهم يسعون بالفساد
عبر وسائل الإعلام والنوادي الفاسدة والشواطئ الخليعة والملاهي الساقطة: بحجة
الترفيه البريء .
- وربما
دفعوا بالمرأة لتنزع حجابها, ودفعوها للاختلاط بالرجال: بحجة المساواة وتحريرها
وإعطائها حقَّها .
- بل ربما تلبَّس بعضهم بالدين والمشيخة , فيصدر
الفتاوى الباطلة المعارضة لما أجمع عليه المسلمون ، فيعمل على هدم الدين من داخله
.
- إن
المسلم الحق ليعرف هذه الفئة الخسيسة بفلتات ألسنتهم ، ومزالق أقلامهم ، واضطراب
سلوكهم، وصدق الله إذ يقول: " وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ".
* * *
- أيها المسلمون : لقد
حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين فقال : « إن أخوف ما أخاف على أمتي كلُّ منافقٍ عليم
اللسان » , يعني أنه يعرف من حجج الدين ما يروِّج لباطله.
- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :« ما أخاف عليكم
أحد رجلين: رجل مؤمن قد تبين إيمانه، ورجل كافر قد تبين كفره، ولكن أخاف عليكم
منافقاً يتعوذ بالإيمان ويعمل بغيره» , يعني يستتر بدعوى الإيمان , ويعمل في الباطن بالكفر.
- إن واجب المسلمين الصادقين تجاه المنافقين هو
الإعراض عنهم تارة ، والغلظة عليهم تارة ، وكشف سترهم تارة أخرى .
- وأما إقامة حدِّ الردَّة
عليهم فغالباً ما يتعسَّر ذلك لاستتارهم؛ ولهذا كان نهج الرسول صلى الله عليه وسلم هو : أخذهم بظاهر سلوكهم, وترك سرائرهم لله تعالى ينتقم منهم يوم
يلقونه.
- وأهم من إقامة الحد عليهم هو أن يتقي المسلم
ربه فلا يسلك مسلكهم؛ فإن النفاق الأصغر كالتقاعس عن أداء الصلاة في موعدها,
والكذب, والفجور في الخصومة ، وخُلف الموعد ، وتضييع الأمانة ، والرياء ، كل هذه
المسالك القبيحة ونحوها بريد النفاق الأكبر ، وقد توعَّد الله المنافقين بما لم
يتوعَّد به غيرهم : "إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ
فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ
وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ".
- اللهم اكفنا شر النفاق والمنافقين , واجعلنا من
عبادك المخلصين الصادقين يا رب العالمين .