- أيها
الإخوة : ينقسم الوجود إلى عالمين: عالم الغيب، وعالم الشهادة، فما وصلت إليه حواس
الإنسان فهو من عالم الشهادة .
- وما حُجب
عن الإنسان فهو من عالم الغيب ، ولا سبيل إليه إلا من خلال الوحي المنزل على الرسل
الكرام عليهم الصلاة والسلام .
- ومازال
الإنسان بفطرته المتعطِّشة إلى المعرفة : يسعى جاهداً للكشف عما وراء الطبيعة من
عوالم الغيب المحجوبة .
- يتلمَّس
خبر المستقبل ، ومصير الإنسان ، والقضاء والقدر ، يبحث عن الحقائق المستورة .
- ولقد جاء
الوحي المبارك ليخبر الإنسان عن جانب من عالم الغيب المكنون؛ ليسكِّن به نفسه ،
ويهدِّئ به روعه .
- ويشبع
نهمته الفطرية للمعرفة الغيبية ، بالقدر الذي يصلحه ، ويعينه على الاستقامة
والهداية .
- ولقد
اتفقت كلمة الرسل والأنبياء الكرام عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، منذ آدم إلى
محمد صلى الله عليه وسلم : أن الناس
يصيرون إلى دارين لا ثالث لهما .
- دار نعيم
وسعادة وحبور ، اسمها الجنة ، ودار شقاء وتعاسة وألم ، اسمها النار، ولاشي غير هاتين
الدارين.
- فليس من
جنِّي و لا إنسي ، إلا وهو صائر إلى إحدى هاتين الدارين ، إلى الجنة أو إلى النار
: " فَرِيقٌ
فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ".
- فأما
أهل الجنة فيدخلون داراً لانصب فيها ولاتعب ، بناؤها : لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة
.
- وحصباؤها
اللؤلو والياقوت ، وترابها الزعفران ، وطينها المسك ، وأنهارها : لبن وخمر وعسل
وماء .
- ظلالها
لا تنتهي ، وأنهارها لا تنقطع ، وطعامها لا يُمل ، من دخلها لا يفنى ولا يشيب ولا
يبأس .
- آنيتهم
من ذهب، وأمشاطهم من ذهب ، لا يبولون ولا يتغوَّطون ، ولايتفلون ، رشحهم المسك .
- لقد
أنشأهم الله نشأة أخرى ، على خلق أبيهم آدم ، ستون ذراعاً في السماء ، في عرض سبعة
أذرع .
- لا تباغض
بينهم ولا تحاسد ولا تنافس ، على قلب رجل واحد ، يتنازعون فيما بينهم كؤوس الخمر
على الأسرَّة العالية الوثيرة.
- يتزاورون
ويتلاقون ، يجمعهم سوق الجنة على كثبان المسك ، وأسِرَّة الشرف ، ومنابر النور .
- يسعدون
برؤية ربهم ، وينعمون برضوانه عليهم ، فلا سخط ، ولا غضب، ولا عذاب .
- يقول
الرسول صلى الله عليه وسلم : « إن أدنى
أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسُرُرِه، مسيرة ألف سنة
، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غُدوةً وعشياً » .
- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « خلق الله
جنة عدن بيده ، ودلَّى فيها ثمارها ، وشقَّ فيها أنهارها ، ثم نظر إليها فقال لها
: تكلمي ، فقالت : قد أفلح المؤمنون»، نعم قد أفلح المؤمنون ، وأي فلاح أعظم من
هذا ؟
- لقد
أمرهم الله في الدنيا بالإيمان فآمنوا ، وأمرهم بالصلاة فصلَّوا ، وأمرهم بالزكاة
فزكَّوا ، وأمرهم بالصيام فصاموا ، وأمرهم بالحج فحجوا ، وأمرهم بالحلال فالتزموا
، ونهاهم عن الحرام فانتهوا .
- لقد
عرفوا محارم الله فلم ينتهكوها ، وعلموا حدود الله فلم يتجاوزوها ، فهنيئاً لهم برحمة
الله ورضوانه وجنته.
- وأما أهــل
النار فيدخلون داراً سحيقة عميقة ، يُلقى الحجـر من شفيرها فلا يصل إلى قعرها إلا
بعد سبعين عاماً .
- ليس فيها
إلا السلاسل والأغلال، وحِمَمُ اللهب والنيران، يأكل بعضها بعضاً ، حرُّها شديد ، وقعرها
بعيد ، ومقامعها حديد .
- قد أوقد
الله على النار ألف عام حتى احمرت ، ثم ألف عام حتى ابيضت ، ثم ألف عام حتى اسودَّت
، فهي سوداء مظلمة .
- أدنى
أهلها عذاباً من له نعلان من نار : يغلي منهما دماغه ، لا يرى أن أحداً أشدُّ منه
عذاباً ، وإنه لأهونهم عذاباً.
- ومنهم من
يكونون في توابيت من نار ، بعضها في داخل بعض ، ليس من عرق إلا فيه مسمار من نار ،
لا يسمعُون ولا يُسمعون.
- يُؤتى
بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها.
- تبعث بشررها في حجم الحصون والمدائن والقصور ،
وما نار الدنيا إلا جزء من مائة جزءٍ من نار جهنم .
- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي
بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ، قالوا : وما رأيت يا رسول
الله ؟ قال : رأيت الجنة والنار».
- ومرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة على بعض
أصحابه وهم يضحكون ، فقال : «تضحكون وذكر الجنة والنار بين أظهركم ، فما رُئي أحدٌ
منهم ضاحكاً حتى مات» .
- سأل الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه
السلام : « مالي لا أرى ميكائيل ضاحكاً قط ؟ قال : ما ضحك ميكائيل منذ خُلقت النار
» .
- كثيراً ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحذِّر من
النار ، ويرغِّب في الجنة ، فيقول في بعض مواعظه : « أنذرتكم النار ، أنذرتكم
النار » ، وربما قال : « لا تنسوا العظيمتين : الجنة والنار » .
- وربما قال عليه الصلاة والسلام : « ما رأيت مثل
النار نام هاربها ، ولا مثل الجنة نام طالبها ».
- وكثيراً ما كان يدعو بدعاء القرآن فيقول : " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
" .
- ولقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله
الجنة ، وأن نستجير به من النار فقال: « ما استجار عبد من النار سبع مرات ، إلا
قالت النار : يا رب إن عبدك فلاناً استجار مني فأجره ، ولا سأل عبد الجنَّة سبع
مرات ، إلا قالت الجنة: يا رب إن عبدك فلاناً سألني فأدخله الجنة » .
- اللهم إن نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار .