· إن من المسلَّم به أن الإنسان الذي كرَّمه الله يختلف عن الحيوان في نشأته, وحاجاته, ونظام حياته.
· ولئن كان التشابه بين الإنسان والحيوان في أشياء كثيرة , فإن الاختلاف بينهما في غاية الضخامة.
· ففي الوقت الذي يتوجه فيه الحيوان إلى مصالحه بالغرائز المركبة فيه: يعجز الإنسان عن القيام بمصالحه إلا بالتربية والتهذيب.
· ففي الحيوانات من لا يحتاج إلى رعاية إلا الشيء اليسير حتى ينطلق في الحياة معتمداً على نفسه, وفيها من لا يحتاج إلى رعاية أصلاً قد اكتفى بغرائزه تهديه بأمر الله تعالى.
· ولكن أين هذا من عالم الإنســان , فهل يُوجد من بين الأطفال من لا يحتاج إلى رعاية أصلاً كحال الحيوان ؟.
· إن الجنين لو تُرك بعد ولادته زمناً يسيراً دون رعاية لهلك, في حين يُوجد من الحيوان من يخرج من بطن أمِّهِ يسير ويأكل.
· ولئن كانت حاجات الإنسان تنتهي عند تعليمه وتدريبه على بعض المهارات كالطعام والشراب وقضاء الحاجة: لكان الأمر في غاية السهولة.
· إلا أن الحقيقة تشير إلى أن حاجات الإنسان أكبر بكثير من مجرَّد الطعام والشراب وقضاء الحاجة, فإن الشخصية الإنسانية متشعِّبة الجوانب ، متنوعة الحاجات.
· فالإنسان في حاجة إلى التربية الإيمانية ، يعرف من خلالها ربَّه عزَّ وجلَّ, ويعتقد فيه العقيدة الصحيحة, ويعرف ما يجب عليه اعتقاده من أصول الدين، وأسس العقيدة.
· فلا يجوز للطفل أن يبلغ الحلم إلا وقد عرف من العقيدة ما لا يجوز الجهل به من: خبر الله والرسل والملائكة والبعث والغيب ، ونحو ذلك من أصول الاعتقاد.
· والإنسان أيضاً في حاجة إلى التربية الروحية, لتزكية نفسه, وإشراق روحة، فيعرف العبادات وآدابها وسننها ، كالصلاة والصيام والحج والذكر ونحوها.
· وهو أيضاً في حاجة إلى التربية الأخلاقية ؛ ليتحلى بصالح الأخلاق، ويتجنب قبيحها.
· فهو في حاجة إلى أن يتدرب على الصدق والإخلاص والأمانة ونحوها, كما أنه في حاجة إلى التخلص من الكذب والخيانة والغش ونحوها.
· والإنسان أيضاً في حاجة إلى التربيــــة الجسميـــة, فيتدرب على ما يُصلح بدنه من الطعام والشراب والرياضة, ويحذر مما يفسده.
· فيعرف من خلال التربية الجسمية الحلال من الطعام والشراب فيقبل عليه, ويعرف في الجانب الآخر الحرام منه فيجتنبه.
· والإنسان في حاجة إلى التربية الاقتصادية ، فيعرف الحلال والحرام في الكسب والإنفاق, ويتدرب على العمل والإنتاج؛ ليصبح عضواً صالحاً منتجاً في المجتمع, وليس فقط عنصراً مستهلكاً.
· أيها المسلمون : إن هذه الجوانب التربوية الأساسية التي يتميَّز بها الإنسان عن الحيوان لا يمكن أن يحصل عليها الإنسان إلا من خلال التربية, التي تبدأ بالأسرة وتنتهي بجميع مؤسسات المجتمع التربوية : كالمدرسة ووسائل الإعلام والمسجد والنادي ونحوها.
· فكلُّ مؤسسة تربوية في المجتمع مكلَّفَةٌ شرعاً بأن تقوم بواجبها التربوي تجاه الناشئة, فلا تقدِّم لهم إلا ما يصلحهم ، ويهذِّب أخلاقهم.
· إلا أن الواقع يشهد بتقصير شديد في غالب مؤسسات المجتمع التربوية, تُلمح بقوة إلى خيانة ومؤامرة على أبناء المسلمين.
· فهذا العالم الإسلامي أمامنا ، فأين المؤسسة التربوية التي قامت بواجبها خير قيام, واكتمل فيها جهد التربية ؟.
· أين المربي المكتمل الشخصية ، الذي إذا نظرت إليه ملأ عينك, وإذا استمعت إليه ملأ رأسك, وإذا عاشرته ملأ نفسك ؟.
· نعم قد يكون في المجتمع المؤسسة الحريصة ، والمربي الصالح ، ولكن كم هو حجمهم الذي يمكن أن يؤثر وينتج ؟.
· إن هذا النقص التربوي في المؤسسات والمربين لابد أن ينعكس على نشئنا بالنقص والخلل, وهذا ما نشاهده في واقعنا المعاصر.
· فهذه الانحرافات السلوكية عند النشء الجديد من العقوق, وتعاطي المخدرات, والسرقة, والزنا, وغيرها كلُّها من إهمال التربية الصالحة.
· فاتقوا الله أيها الناس, وليقم كلُّ منا بواجبه, فكُلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته.
^ ^ ^
· أيها المسلمون : إن الأطفال لا ينمون كما تنمو الأشجار, ولا يحيون كما تحيا الحيوانات, وإنما هم خلقٌ مكلَّف, أوجدهم الله وكلَّفهم بعبادته, والخلافة في الأرض بعمارتها على منهج الله تعالى, فلابد من إعدادهم لهذه المهمة الكبرى.
· إن المهمة الأولى لكلِّ مؤسسات المجتمع التربوية هي إعداد المسلم الصالح, الصالح في : عقيدته, وأخلاقه, وعقله, النافع لأمته.
· فلننظر نحن في أنفسنا وفي مؤسساتنا, ولنعرض خُطَطَنَا وبرامجنا على منهج الإسلام التربوي , ولنقف على الخلل ثم لنصلحه.
· وما لم نكن صُرحاء مع أنفسنا, صادقين في رغبتنا في الإصلاح: فلن نتوقع أيَّ ثمرة لجهود دعائية إعلامية فارغة.
· إن أقلَّ ما يجْنيه الأب الصادق في تربيته الصالحة لأبنائه هو : البر من الأبناء, والدعاء بعد الممات, وأما المعلم الصالح فإنه يجني من تربيته للطالب عظيم الثواب ؛ فإن كلَّ ما يقوم به الطالب من عمل صالح يسجل له في صحائفه ، ما دام كان سبباً فيه.
فاتقوا الله أيها الناس ، واحرصوا على أولادكم, وادعوا الله أن يجعلهم قرة عين لكم ، ولمجتمعاتهم صالحين طيبين.