· يخرج الإنسان من بطن أمَّهِ لا يعلم شيئاً, وقد زوَّده الله تعالى بأدوات المعرفة من الحواس كالسمع والبصر واللمس...
· كما قال تعالى: ) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (.
· فهذه الحواس هي أدوات المعرفة, عن طريقها يسمع ويرى ويتذوق ويشم, فيعرف من أمور الحياة والعلم ما لم يكن يعرف.
· فيرى بعينيه في ملكوت الله تعالى ما يزيد في إيمانه ويقوِّي من يقينه, ويسمع بأذنيه آيات الله تعالى, ويتذوق بلسانه ما أباحه الله له من الطعام والشراب.
· وهكذا الحواس جميعها ما هي إلا وسائل للعبودية لله تعالى: تزيد الإيمان, وتؤكد اليقين, وتشرح الصدر, وتثبِّت القلب.
· ولكن كثيراً ما ينحرف الإنسان بهذه الحواس حين يستخدمها في غير رضى الله, فيسمع ما لايحل, ويرى ما لا يجوز, ويطعم محرماً من مأكل أو مشرب وهكذا.
· ولعل في حاسة البصر ما يُؤكد هذا المعنى, فهي أهم حواس الإنسان, وأحبُّها إليه, وأوسعها استخداماً في حياة الإنسان.
· فما على الإنسان إلا أن يفتح عينيه ليلتقط من المعارف والعلوم المرئية أو المكتوبة ما هو كثير, مما بثَّه الله في هذا العالم.
· ولهذا جـــــاء التوجيـــــه الرباني بالنظر في هذا الكـون ومخلوقاته: ) قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ( , ) انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ (, ) فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمةِِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (, ) أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِـلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (, كلُّها آيات تَلْفِتُ إلى النظر في هذا الكون.
· ولا شك أن هذا النظر المملوء بالاعتبار والتفكر: من الأمور المحبوبة لله, التي تزيد من تعظيمه, وتبعث في النفس إجلاله سبحانه وتعالى.
· ولكن كثيراً ما ينحرف الإنسان بحاسة بصره عن نهج الهدى, فيرى بعينيه ما حرم الله عليه من النساء الأجنبيات ، والمردان ، والعورات المحرمة.
· فتتحول هذه الحاسة من أداة خير إلى أداة شر, تصد صاحبها عن الله تعالى, وتقسِّي قلبه, وتذهب ببصيرته, وتُثْقله بالإثم.
· ومن المعلوم أن البصر هو الباب الأكبر إلى القلب, ومن جهته يكثر السقوط والانهزام أمام الشهوات, ولا سيما في النظر بين الجنسين.
· فكم من نظرة آثمة خاطئة أوقعت رجالاً ونساءً, فكان منها الحب, والعشق, والشَّغف, ثم الهلاك والموت, فهذه أخبار العشاق الهلكى مشهورة عبر التاريخ في القديم والحديث.
· فكم من عاشق شابَ رأسُهُ, وذهب بصره, ونحُل جسمه, وكم منهم من مات همَّاً وحزناً, قد فاته التلذذ بالقرآن, والانشغال بالله تعالى في السحر, حتى أصبح أسير الهوى, لا يرتاح إلا بذكر محبوبه, ولا ينشرح إلا برؤياه, خسر الدنيا والآخرة.
· وبسبب هذه المفاسد الدينية والدنيوية : أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر عن المحرمات ، فقال سبحانــــه وتعالى: ) قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ( .
· وقال الرســول صلى الله عليه وسلم لعـلي رضي الله عنه: » يا علي لا تُتبع النظرة النظرة, فإن لك الأولى وليست لك الآخرة «.
· وقال الرسول صلى الله عليه وســـلم أيضاً : »لا تكشفْ فَخِذَكَ ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت «, فكم هي الأفخاذ التي يراها رجالنا ونساؤنا كلَّ يوم ؟.
· وقال عليه الصلاة والسلام فيمن يطَّلع على عورات الناس : » من اطَّلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حلَّ لهم أن يفقؤا عينه «.
· وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً : » إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة, فزنى العينين النظر, وزنى اللسان النُّطق, والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذِّبه «, فكم هو حجم زنى النظر في حياتنا اليوم ؟.
· سئل الحسن البصري: »إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن ، قال : اصرف بصرك «.
· وقال الزهري: » لا يصح النظر إلى شيء منهن ممن يُشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة «.
· ولما أراد سفيان الثوري الخروج يوم العيد قال لأصحابــه يُنبِّههم: » إن أوَّل ما نبدأ به في يومنا غضُّ أبصارنا «.
· أيها المسلمون: إن طهارة القلب وسلامتَهُ مرهونةٌ بالعفاف وغضِّ البصر بين الرجال والنساء, وإن أول خطوة يخطوها الإنسان نحو الفساد هي أن يطلق بصره.
· أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ (.
^ ^ ^
· إن الناظر في الآيات ، والأحاديث ، وأقوال العلماء ليعجب أين هذه النصوص من واقع حياة المسلمين اليوم ؟.
· كيف يستطيع أحدنا أن يغضَّ بصره عن المحرمات ، وقد انتشرت في كلِّ موقع : في وسائل الإعلام, وعلى المنتجات التجارية, وفي الطرق في تبرج كثير من النساء.
· في مقابلة مثيرة مع أحد مديري المحطات الفضائية العربية الساقطة، يقول هذا المدير أنهم أرادوا مذيعة واحدة للأخبار ، فتقدم لهم ألف امرأة ليختاروا من بينهن من تكون أكثر فتنة وإغراءً وأداءً, ويقول بكل صراحة: »استخدمنا الجنس وهدفنا الخليج«, ولما سُئل لماذا تستخدمـــون الفتيات الجميـلات ؟ قال : »العرب لا يحبون القبيحات«.
· وهكذا يصرح هذا الرجل بكل وضوح ووقاحة بهدفه الساقط في دغدغة عواطف الرجال ، والسعي في إثارتهم من الناحية الجنسية، من خلال عرض الفتيات الجميلات الفاتنات.
· أيها المســلمون : كم يطيق القلب من هذه المناظر المثيرة ، والسهام القاتلة ؟ أيُعقل أن هذه المناظر المثيرة لا تؤثر في صاحبها ؟ إن الذي يظنُّ أن هذه الصور والمناظر المثيرة لا تؤثر فيه فقد مات قلبه؛ فإن الإنسان الصالح حين ينظر إلى صورة مذيعة متبرجة يكفيه هذا المنظر لمرض قلبه أياماً ، فكيف بمن انهمك بصور الممثلات والمغنيات ؟
· ولقد كان السلف يعرفون أثر المعصية في نفوسهم ، فإذا نظر أحدهم إلى امرأة في الطريق ، وهي محجبة مستورة : وجد ذلك في نفسه ألماً ، وقســوة في قلبه, فكيف بمن ينظر في كلِّ هذه الصــور, ويزعم أنه لا يتأثر؟
· إن من الحقائق : أن ما يجري على جوارح الإنسان لابد أن يصل إلى القلب, وما يقع في القلب لابدَّ أن ينعكس على الجوارح.
· فاتقوا الله أيها الناس ، واحفظوا أبصاركم ، وحصِّنوا فروجَكُم, فإن الله يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور.