الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله الله, وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(.
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(.
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (.
على الرغمِ من انفتاحِ المسلمينَ على الثقافةِ الغربيةِ, وتأثُّرِهِم بكثير من معطياتها الفكريةِ والسلوكيةِ: تبقى قضيةُ المرأةِ في بؤرة الصراع الثقافي بين عالم الشرقِ وعالمِ الغربِ, وهي نقطة الفصل بين الثقافتين العربية والغربية, وستبقى كذلك ما لم تنسلخ المرأةُ المسلمةُ عن دينها, وآدابها الشرعية, وأخلاقها الاجتماعية.
ولقد أدركَ الغربيون أنه ما لم تُحل قضيةُ المرأةِ المسلمةِ, من خلال تغيير مفاهيمها, وتبديل أفكارها, وخلْخَلَةِ ثوابتها: فإن نجاح الغرب في تحقيق مآربه في العالمِ الإسلامي سوفَ يكونُ ضئيلاً, وستبقى جهودُهُ متعثِّرةً حتى تلقى المفاهيم الغربية مكانها في شخصية المرأة المسلمة, وتجدُ خطَطُهُ التطويريةُ موقعها في المجتمعات الإسلامية.
ولقد جنَّد الغربُ طاقاتِهِ السياسيةَ والاقتصاديةَ والإعلاميةَ منذ زمن طويل للوصول بالمجتمعات الإسلامية إلى مرحلة التقبُّلِ الفكري, والخضوعِ الاقتصادي, والتبعيةِ السياسية. وعلى الرغم من تعثُّر كثير من الجهود الغربية في تحقيق أهدافها بكفاءةٍ كافيةٍ في العالم الإسلامي: إلا أن جزءاً غيرَ يسير من جهوده حققَ أهدافَهُ في العديد من ميادينِ الحياةِ الإسلاميةِ المعاصرة. ولقد لحق المرأة المسلمة النصيبُ الأوفرُ من رياح التغيير والتبديل والتغريب, فلم يعد غريباً في بلاد المسلمين مشاهدةُ: المرأةِ المسلمةِ: الراقصةِ, والمغنيةِ, والممثلةِ, وعارضةِ الأزياءِ, وخادمةِ الفندقِ, وسكرتيرةِ المديرِ, وخلفية الإعلانات التجارية, فإذا بها صورةٌ مكررةٌ عن المرأة الغربية المضطهدة, لا فرق بينهما إلا في الأسماء والألوان.
لقد أخفَقَ المسلمونَ المعاصرون في تقديم نموذج المرأة المسلمة لعالم الغرب, حين قدَّموا للغرب صورةً مكررة للمرأة الغربية,
لا جديد فيها, لقد عَجَزَ المسلمون أن يقدِّموا صورةَ الفتاةِ المسلمة البارة بوالديها, وصورة الأمِّ الصالحةِ الحنونِ على أولادها, وصورةَ الزوجة الناصحةِ الطائعةِ لزوجها, وصورة الجدَّة المبجَّلِة في بيتها بين أولادِها وأحفادِها.
لقد عَجَزَ المسلمونَ أن يقدِّموا صورةَ المعلمةِ المسلمةِ المربيةِ, وصورة العالمةِ المتخصِّصَةِ, وصورةَ الطبيبة الناجحة, وصورة الأخصَّائية الاجتماعية الُمصلحة. لقد أخفقنا إخفاقاً شديداً في إبراز نموذج تعليمنا الفريد, حين تمكَّنَ كثيرٌ من الفتيات السعوديات من بلوغ أعلى درجاتِ التعليم دونَ أن تضطر لخلع حجابِهَا, أو الاختلاطِ بالرجال, لقد عجزنا عن إبراز النموذج المثالي في أسلوب تشغيل النساء, بعيداً عن محكَّات الرجال, مراعينَ في ذلك طبيعتَهُنَّ الفطرية, وحاجاتِهِنَّ الاجتماعية.
أيها المسلمون : ما الخدمة التي نقدِّمُها للغرب حين نقدِّم له صورةَ المرأةِ المسلمة الكابتن, التي تستطيع أن تقود الطائرة, في الوقت الذي لم يسمح فيه الغرب حتى الآن لامرأة تقودُ طائرةَ رُكابٍ مدنية ؟.
وما الخدمة التي نقدِّمُها للغرب حين نقدم له الفتاةَ المسلمةَ المتسابقة المتحديةِ للرجال بسيارتها في مضمار سباق السيارات, في الوقت الذي لم تتمكن فيه المرأةُ الغربيةُ المتسابقـة حتى الآن من الفوز على الرجال ؟.
وما الخدمة التي نقدِّمُها للغرب حين نقدِّم له المرأةَ السياسيةَ, ورئيسة الدولة, في الوقت الذي تتأخر فيه المرأة الغربية عن المناصب السياسية العليا, إلا شيئاً نادراً يسيراً, فهذه الولاياتُ المتحدةُ الأمريكية, لم تترشح فيها امرأة لقيادة البلاد, فضلاً عن أن تُختار للرئاسة والقيادة الكبرى.
وما الخدمة أيها المسلمون التي نقدِّمُها للغرب حين نعرض له على شاشاتنا, وصفحات مجلاتنا صورَ فتياتِنَا المسلمات, متبرجات بزينتهن, في الوقت الذي يعرِضُ فيه الغربُ على شاشاته ومجلاته أفحشَ وأخبثَ صورٍ للمرأة الغربية.
لقد أثبت الواقع عجْزَنَا الشديدَ في تقديم شيء جديدٍ لعالم الغرب, لم نتمكَّن للأسف إلا من تقديم الصورةِ المكررة التي مقتها الغرب, وملَّ من مشاهدتها في مجتمعه الخاص. إن مما ينبغي معرفتُهُ: أن الغربيين يحتقرونَ المقلِّد الذي لا يحترمُ ثقافته وتقاليده الخاصة, في الوقت الذي يحترمُ المعتزَّ بثقافته ويقدِّرُهُ, حتى وإن كان مخالفاً, أو محارباً له. إنَّ عالمَ الغربِ في انتظار المُخلِّصِ الناصح الذي يبصِّرُهُ بعيوبه, ويُرشِدُهُ إلى طريق الخلاص من التيهِ الفكري, والضيقِ الروحي, والقلقِ النفسي, الذي اعتصرَهُم, وبدَّدَ طاقاتِهم الفكريةَ والروحية في دروب من الضلالاتِ الكنســـية, والوثنيةِ, والإلحاديـــة. إن عالم الغرب ينتظر منَّا – معشر المسلمين - الجديد النافع في العقيدة والأخلاقِ والاقتصادِ والسياسةِ, فماذا قدَّمنا له؟ كيف سوف نلقى الله تعالى وقد فرَّطنا في تبليغ رسالته للناس, وإقامةِ الحجَّةِ عليهم؟ بل كيف سوف نلقى ربنا عزَّ وجل وقد صددنا الناسَ عن سبيله بتناقضِنَا في أخلاقِنَا وسلوكِنَا, حين قدَّمنا الإسلام العظيمَ في ثوبٍ مشَّوهٍ من عفَنِ ممارساتِنَا, وقبيحِ أفعالِنَا.
أعــوذ بالله من الشيـــطان الرجيــــم, بسم الله الرحمن الرحيم: ) سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِيـــنَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُــونَ مَا لا تَفْعَلُون كَبُرَ مَقْتًـــا عِنـدَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة على سيِّدنِا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار .
أيها المسلمون : إنَّ أفضلَ ما نقدِّمُهُ للغرب هو الصورةُ الصادقةُ عن دينِنَا, بجمالها وكمَالِها, فإنَّ الغربَ لا ينقصُهُ شيءٌ من زخرف الحياة الدنيـا وبهرَجِهَـــا, لا ينقصـــه تبُّرجُ النساء, ولا عرضُ مفاتنــهن, ولا ينقُصُهُ مسالكُ بعضهن الصبيانية, أو اندفاعهن الاسترجالي, وإنما ينقصه نموذج الشخصية المسلمة للرجل والمرأة, ينقُصُهُ الإيمانُ الذي تسكنُ به النفس, ويطمئنُ له القلب, تنقُصُهُ الأخلاقُ التي ترتفعُ به عن الرذائل, وسفاسفِ الأمور, وترتقي به في درجاتِ الكمال الإنساني, ومراتبِ السموِّ الاجتماعي.
أيها المسلمون : صورتان واقعيَّتان لفتاتينِ مسلمتينِ, إحداهُمَا عربية, والأخرى أمريكية, فأما الفتاةُ العربيةُ فقد كانت متحجِّبةً حين تقدمت إلى إحدى الجامعات العربية للدراسة, فاشترطوا عليها نزع حجابها, فبادرت للأسف إلى نزعه لتدرُسَ في الجامعة, متذرِّعَةً بأنها مضطرة معذورة, وأما الفتاةُ الأمريكيةُ, فقد لامسَ الإيمانُ شغاف قلبها, وملأَ جوانبَ روحِهَا, فلم تتمالك نفسَهَا حتى أعلنت إسلامَهَا, ولبست حِجَابَهَا, معتزةً بدينها, فخيَّرها صاحبُ العملِ بين حِجَابِهَا, وبين وظيفتها, ولم يكن لها موردٌ غيرَ هذه الوظيفة, وليس لها في مدينتها أقرباء, سوى ابنتها الصغيرة التي تعيشُ معها, ومع ذلك, ورغم اضطرارها: علا الإيمان في قلبها, وسمت الأخلاق في نفسِها, وأبتْ نزعَ حجابها, فطُردتْ من عملها, ومكثت أياماً بلا مورد, حتى فَنِيَ زادُها, وأشرفت على الهلاك, ومع ذلك لم تُبْلِغْ أحداً من الجالية المسلمة في مدينتها, حتى تفطَّنت إحدى النساءِ المسلماتِ إلى حالها بطريق الصُّدفِة, حينَ دخلت مطبخ شِقَّتها فلم تجد فيه شيئاً يأكُلُهُ ذو كبد.
إنها صورتان متغايرتان متناقضتان لثبات الأخلاق ورُسُوخِها, ولهشاشتها وأُفُولها.
إنه درسٌ في الثباتِ على المبادئ والقيم, يأتينا من أقصى الغربِ, ليقولَ لنا: لو عرفنا الإسلامَ لطبَّقناه أفضلَ منكم !!