· إن الناظر في واقع الأمة الاقتصادي يجده في تراجع مستمر, وتخلُّف شامل ، على جميع المستويات الحضارية المختلفة.
· والمتأمل في تاريخ الأمة في زمن عافيتها يجد الفرق الواضح بين إنجازاتها الحضارية السابقة، وتخلُّفها اليوم.
· والمنصف العاقل يعلم أنَّ تفوق الأمة وازدهارها مرتبط بدرجة تمسُّكها بدينها, وتخلُّفها مرتبط أيضاً بدرجة تفلُّتها من دينها.
· ورغم وضوح هذا الارتباط بين الدين والتفوق ، فإن فئات من المسلمين لا تزال تعتقد أن تخلُّف المسلمين سببه التمسك بالدين.
· إن مقولة (الدين سبب التخلف) لا تنطبق على دين الإسلام, وإنما تنطبق على دين النصارى واليهود المحرَّف المبدَّل.
· لقد نهضت الأمة المسلمة في الزمن الأول حين تمسَّكت بدينها الحق, في حين نهضت أمَّةُ الغرب حين نبذت دينها المحرَّف.
· والفرق بينهما كبير, فالإسلام يعتبر العلم قربة إلى الله, ورُهبان النصارى يعتبرون العلم كفراً وفجوراً , لهذا نهضوا لما نبذوا دينهم المحرَّف، الذي كان يقف في وجه تقدمهم الحضاري.
· أيها المسلمون : إن الاقتصاد جزء من نظام الإسلام الشامل الذي تحكمه إرادة الله تعالى: أمره ونهيه.
· وغاية التنمية الاقتصادية في الإسلام هي تحقيق العبودية الخالصة لله تعالى, فكلُّ خطط التنمية – بكلياتها وجزئياتها- لابد أن تصبَّ في مرضاة الله.
· لابد أن تهدف جهود التنمية ، بكلياتها وجزئياتها، إلى مساعدة الإنسان على تحقيق أقصى درجات العبودية لله تعالى.
· كما أنَّ من أهم أهداف التنمية في الإسلام : تحقيق رفاهية وسلامة الإنسان، حتى يتمكَّن من عبادة ربِّه عز وجل.
· فالإنسان هو المقصود من التسخير الكوني, فلابد أن تكون الأنشطة الاقتصادية خادمة للإنسان ، وليس الإنسان خادماً لها.
· أيها المسلمون : إن الغربيين يفرضون على العالم نموذجهم للتنمية الاقتصادية ، على أنه النموذج الوحيد لمن أراد التقدم والنهضة، كما دلَّت على ذلك تقاريرهم الصادرة عن البنوك والصناديق الدولية.
· وقد أثبت الواقع الاقتصادي إخفاق هذا النموذج الغربي في بلاد المسلمين, فبالأمس القريب سقط النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي على أثره في الزوال، فلن يدوم طويلاً، فإن هذه الأنظمة الجاهلية تحمل في بنائها بذور هدمها وزوالها.
· ثم إن التنمية الاقتصادية في هذا العالم لا تأتي للأمة المسلمة من الخارج, وإنما هي إرادة وطنية خالصة ، تنبعث من الداخل نحو التقدم والتحرر.
· ثم إن النظم الاقتصادية في هذا العالم ليست قواسم مشتركة بين الأمم, فما يصلح للغرب ليس بالضرورة يصلح للشرق.
· كما أن النموذج الغربي ليس هو النموذج الوحيد المتفوق في العالم اليوم ، فهذه دول شرق آسيا تفوَّقت هي الأخرى، ولكن بفلسفة اقتصادية مختلفة.
· أيها المسلمون: إن من الضروري إعادة النظر في خططنا التنموية، ومحاولة ابتداع نموذج تنموي جديد ، يتنكَّب النموذج الغربي, بل ويتنكَّب كلَّ نموذج جاهلي, يحقِّق العبودية لله تعالى, ويحقِّق سعادة الإنسان, ويجمع له بين خيري الدنيا والآخرة.
· قد يتعجب بعض الناس من هذا الأمل, في ابتداع نموذج اقتصادي تنموي جديد ، على غير أنماط النماذج المعاصرة، وكأنه لا طريق للنهضة إلا عن طريق الغرب، إن الطبيعة المسخرة بإذن الله تعالى لن تبخل على الأمة الإسلامية – حين تصدق – بما أكرمت به أمم الكفر والضلال, فإن خيرات الدنيا إنما هي للمؤمنين وليست للكافرين، كما قال تعالى : ) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (.
· إن مجاراة الغرب في تقدمه، ومحاولة التفوق عليه في ميدانه: أمر بعيد, وهو لا يزيد الأمة إلا عبودية وذلاً للغرب, حين يستعبدون الأمة من جديد بالخبرة والخبراء, فيأخذون عصارة جهد الأمة وكدِّها ، ليقدموا لها بعد ذلك فتات موائدهم الصناعية، التي لا تبني صناعةً ولا حضارة.
· إن النموذج الاقتصادي الغربي نموذج ظالم, فهذا العالم الصناعي يستهلك 80% من طاقة العالم وهم يمثلون فقط 27% من سكان العالم.
· وأغنى ثلاثة رجال عندهم يملكون من الثروة ما يعادل الناتج القومي لخمسٍ وثلاثين دولة نامية، بسكانها البالغين ستمائة مليون نسمة.
· إن الواقع الغربي لا يُؤهله لأن يكون النموذج الذي يُحتذى ويقتدى به, ولكن غياب النموذج الإسلامي أبرز النماذج الباطلة الزائفة.
· أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (.
^ ^ ^
· أيها المســـلمون : لقد أثبت الواقــــع والتجارب الكثيرة أن الغرب لا يمكن أن يتعامل مع المسلمين بصدق وأمانة, بل يهمُّه بقاؤهم في تخلف مستمر.
· ثم إن الأمة التي تعتمد في تقدمها على غيرها لابد أن تدفع مقابل ذلك من دينها وأخلاقها، ولهذا قال أحد العرب المبطلين، ممن أعمى الله بصره وبصيرته : إذا أردنا التقدم لابد أن نأخذ كل شيء من الغرب.
· إن تراث الأمة ذاخر بالنماذج الاقتصادية المتفوقة، وقد أثبتت نجاحها في نقل الفرد من أشدِّ حالات الفقر والعوز، إلى أعلى مراتب التقدم والرفاهية.
· لقد استطاعت الأمة في زمنها الأول أن تتقدم وتنهض، وتستفيد من غيرها، مع حفاظها على ثوابتها الفكرية والأخلاقية والعقدية، لقد كانت تنتقي عن غيرها الانتقاء الراشد، تأخذ الصالح، وتترك الخبيث.
· لقد عجز الغربيون على أن يصطحبوا عقائدهم المحرفة في نهضتهم الحديثة ، حتى اضطروا إلى نبذها وتركها، في الوقت الذي نهضت أمة الإسلام متمسِّكة بكل تفصيلات وكليات دينها.
· أيها المسلمون : لقد استطاع اليابانيون أن ينهضوا ويستفيدوا من الغرب ، دون أن يبدِّلوا تراثهم الياباني, بل واستطاع الأوروبيون النهضة والاستفادة من المسلمين في السابق ، دون أن يأخذوا شيئاً من تراث الإسلام , ألا نستطيع نحن ذلك اليوم ؟
· إن الأمة لا يمكن أن تنهض حتى تعتمد على ذاتها بعد الله تعالى ؛ فإن الأمة في مجموعها تملك من المال والعلم والأرض والناس ، ما يُغنيها عن الغرب والشرق، ولكن لابد من الوحدة السياسية والاقتصادية لتحقيق ذلك.
· ) وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (.