· لقد جاء الإسلام لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، فجاء بجمع من التشريعات التي تنظم حياة الناس، وتصلح أحوالهم.
· فجاء الإسلام بالنظام العبادي، فعرف العباد خالقهم, وكيف يعبدونه, ويرضونه.
· وجاء الإسلام بالنظام الاجتماعي ، ينظم علاقات الناس: الأسرية والزوجية, وما يلحق ذلك من أخلاقيات العلاقات الاجتماعية المتنوعة.
· وجاء الإسلام أيضاً بالنظام الاقتصادي؛ لينظم حياة الناس في معاشهم, وتنمية ثرواتهم, وتوزيع الحقوق المالية فيما بينهم.
· ومن الأنظمة التي جاء بها الإسلام أيضاً ليحقق مصالح العباد: النظام السياسي, فجعل الله تعالى الإسلام ديناً ودولة, وأوجب على الأمة نصب الحاكم ، ليخلف النبوة في حراسة الدين وإصلاح الدنيا, وجعله ظلَّ الله في الأرض, يُقيم به الحق, ويدفع به الباطل, ينصر به الضعيف, ويؤدِّب به الظالم, يقيم الحدود, ويحفظ الثغور, ويوزع المال، كما أمر الله تعالى.
· وللعاقل أن يتخيَّل كيف تكون الحياة بلا حاكم يديرها بالحق والعدل: فمن ينصف المظلوم, ومن يأوي المسكين واليتيم والأرملة, ومن يُقيم الحدود, ومن يحكم بين الناس, فهناك نصوص كثيرة في الوحي وأحكام لا تقوم إلا بوجود الحاكم المسلم.
· أيها المسلمون : نظام الإسلام السياسي يقوم على مجموعة من المبادئ التي لابد منها لتحقيق مقاصد نظام الإسلام السياسي، الأول: الحكم لله وحده, والثاني: وحدة الأمة, والثالث: المساواة بين الرعية, والرابع: الشورى, والخامس: الحرية, والسادس: العدل.
· ولنظام الحكم في الإسلام خصائص من أهمها ما يأتي :
1- أن الملك ملك الله يؤتيه من يشاء, وينزعه ممن يشاء, فمن أُوتيَ الملك فالله هو الذي أعطاه, ومن حُرم الملك فالله هو الذي حرمـه.
2- رئيس الدولة يستمد سلطته من الشريعة حين يعمل بها, وليست سلطته مستمدة من الاستبداد ، أو قوة الجيش ونحو ذلك.
3- يستمد الحاكم القوة الشعبية ، وطاعة الرعية من القوة الروحية عند الشعب ، حين ألزمهم الله باحترام الحاكم وطاعته في المعروف.
4- الحكم أمانة في أعناق الحكَّام ونوَّابهم ، يُسألون عنها يوم يلقون ربهم, حفظوا أم ضيَّعوا، وكل تصرُّفاتهم منوطة بتحقيق المصلحة الشرعية.
5- كلُّ ما يتمتع به رئيس الدولة من الطاعة والتصرف في شؤون الدولة ليس لشخصه وإنما لكونه رئيساً للدولة الإسلامية .
6- العمل السياسي لا يعدو أن يكون وسيلة لتحقيق مرضاة الله تعالى وعبادته, وليس وطراً يُقضى ، أو متعةً يستمتع بها الحاكم.
· أيها المسلمون : إذا حكم الحاكم المسلم بالإسلام ، وعدل في الرعية، فإنه يكون في ظلِّ الله يوم القيامة, ويكون من أحبِّ الخلق إلى الله تعالى, كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: »أحبُّ الخلق إلى الله إمام عادل «.
· إذا قام الحاكم المسلم بأمر الله كان على الرعية واجب الطاعة, والنصرة, والاحترام, وجمع القلوب عليه, والدفاع عنه.
· يقول الله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: » لو استعمل عليكم عبد حبشي ، مجدَّع الأطراف ، يقودكم بكتاب الله : فاسمعـــــــوا له وأطيعوا «.
· وأما إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله, وسعى في الأرض بالفساد : فلا سمع له ولا طاعة, وفي الحديث: »على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكــــره، إلا أن يُؤمر بمعصية فلا سمع ، ولا طاعة «.
· وكان حينئذٍ واجب العلماء والوجهاء وقادة الجند نُصْحه وإرشاده، فإن أبى خُلع وأُبعد, وتولَّى من هو خير منه, إلا أن يكون في خلعه مفسدة، فالصبر عليه أولى ، مادام أنه لم يأتي بكفر بواح.
· وقد أوجب الله على أهل الحل والعقد من العلماء والوجهاء وقادة الجند أن يشرفوا على تصرفات الحاكم, فإن تصرفات الحاكم منوطة بالمصلحة الشرعية وليست منوطة بهواه , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل علياً رضي الله عنه ليقيم الحدَّ على امرأة زنت ، فوجدها في النفاس, فخشي عليها الهلاك, فلم يُقم عليها الحدَّ , ثم رجع وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فأقرَّه على اجتهاده.
· أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَــبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (.
^ ^ ^
· أيها المسلمون : لقد ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحكام بعده أروع مثال للحاكم المسلم ، فقد كان يقول: » ما أنا بملك فأستعبدُكم ، وإنما أنا عبد عرض الله عليَّ الأمان«.
· وكان يقول: » نقيم أمر الله في قريب الناس وبعيدهم, ولا نبالي على من كان الحق «.
· ومن عدله في المال أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه أعطى أحد أولاد عمر درهماً من بيت المال ، فغضب وقال: » أما كان في أهل المدينة بيتٌ أهون عليك من بيت عمر, أردت أن لا يبقى في أمَّة محمد أحد إلا طلبني بمظلمة, رُدَّ الدرهم إلى بيت المال «.
· دخلت على عمر بنت له صغيرة وهو في بيت المال، فأخذت درهماً وجرت به ، فخرج خلفها يجري حتى سقط رداؤه, فخبَّأت الدرهم في فمها ولجأت إلى أمِّها, فأخرجـــــه من فمها وقال: » ليس لعمر ولا لآل عمر إلا ما للمسلمين قريبهم وبعيدهم «.
· ولما كان عام الرمادة حين جاع الناس، كاد عمر أن يهلك حتى قيل: إذا لم يرفع الله هذا البلاء يموت عمر, فقد منَع نفسه الطعام حتى يشبع الناس, وقال: » كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسسني ما مسَّهم«.
· أيها المسلمون : هذه صور حية من نظام الإسلام السياسي وتطبيقاته عند السلف، اعرضوها على واقعكم ، وانظروا الفرق.