· فُطر الإنسان على أن يكون اجتماعياً بطبعه، فلا يقوم بنفسه في تحقيق مصالحه، ودفع مفاسده، حتى يتعاون معه غيرُه.
· ولو نظرنا في كلِّ شؤون الحياة– عظيمها وحقيرها– لوجدنا أن التعاون بين الناس على تحقيقها أمر ضروري لا بد منه.
· فهذا طعام الإنسان وشرابه ودواؤه ومنزلُهُ ومركوبُهُ ولباسُهُ ومعاملاتُهُ، كلُّ ذلك لا يمكن أن يتحقق له إلا بتعاون الآخرين.
· ولك أخي المسلم أن تتخيَّل كم حجم الجهد والطاقة التي يحتاجها الإنسان لو انفرد بصناعة طعامه، ابتداءً من ملك الأرض الزراعية حتى مرحلة تجهيز الطعام للأكل .
· ولك أن تتخيَّل لو انفرد الإنسان بصناعة دوائه، فيكون طبيب نفسه، يعرف الدواء، ويصنعه، ويعالج نفسه، وكلُّ ذلك مستحيل، لا يمكن حدوثه، ولو أمكن لكان في غاية الصعوبة والعنت.
· ومن هذا المنطلق الفطري، والحاجة الضرورية: سخَّر الله الناس بعضهم لبعض، وربط حاجاتهم فيما بينهم، فلا يكاد يستغني أحدٌ عن أحد، فالبائع محتاج للمشتري، والمشتري محتاج إلى البائع، والمريض محتاج إلى الطبيب، والطبيب محتاج إلى المريض، والخادم محتاج إلى سيده، والسيد محتاج إلى خادمه.
· وصدق الله تعالى إذ يقول: ) نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ( ، أي ليستخدم بعضهم بعضاً بما أودعه ووزَّعه بينهم من المواهب والقدرات والفضائل، فدولاب الحياة يدور بالجميع الأقوياء والضعفاء، والأغنياء والفقراء، والعلماء والجهلاء، فلا بد من التفاوت والتنوع في المواهب لتعمر الحياة وتستمر.
· أيها المسلمون : إذا تقرر هذا الأصل الفطري في حاجة الناس بعضهم إلى بعض: تقرر معه وجوب التعاون على البر والتقوى, وكلِّ ما من شأنه جلب المصلحة للإنسان، ودفع المضرة عنه، في ضوء ما أباح الله تعالى، وحدَّ من الحدود.
· يقول الله تعالى آمراً المؤمنين بالتعاون على الخير: ) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ( .
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : » أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله تعالى سرورٌ تدخله على المسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرح عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد « .
· ويقول أيضـاً: » لا يزال الله في حاجة العبد مادام في حاجة أخيه « ، ويقول صلى الله عليه وسلم : » المؤمن للمؤمـــــن كالبنيان يشد بعضه بعضاً « .
· وحكى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً كان يُداين الناس، ويبعث عمَّاله فيأمرهم بالتيسر على الموسر، وإنظار المعسر، فقال الله تعالى: »أنا أحق بذا منك: تجاوزوا عن عبدي « , وهذا جزاء بالمثل، فحين تجاوز عن إخوانه ، ويسَّر عليهم : تجاوز الله عنه ، ويسَّر عليه، والجزاء من جنس العمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن الخدم: » لا تكلِّفوهم ما يغلبُهُم، فإن كلَّفتُمُوهُم فأعينوهم « .
· بل وحتى المسلم حين ينحرف عن الحق فيظلم، فإن التعاون معه قائم في ردِّه عن الظلـم ، وفي الحديث: » اُنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً « .
· ولقد كان عهد النبوة المبارك صورة من صور التعاون بين المسلمين يصعب تكرارها، فالمهاجرون والأنصار قام بينهم من التعاون والتآخي حتى تناصفوا الأعمال والأموال وتوارثوا.
· وكان الأشعريون من الصحابة إذا فقدوا الزاد: جمعوا ما بقي عندهم من الطعام وجعلوه في ثوب ، ثم توزَّعوه بالسوية ، حتى امتدحهم الرسول صلى الله عليه وسلم لصنيعهم هذا ، فقال: »هم مني وأنا منهم« .
· وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة قال: » اشفعوا فلتُؤجـروا ، وليقضيَ الله على لسان رسوله ما شاء « .
· وكان الرسول صلى الله عليه وسلم على جلالة قدره يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويُجيب الدعوة، ويخدم أهله، ويُعين أصحابه.
· وكان الصحابة على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعاون، فهذا أبو قتادة رضي الله عنه كان له دينٌ على رجل، فقال الرجل: إني مُعسر، فقال أبو قتادة : آلله ؟ فقال الرجل: آلله، فقال أبو قتاده: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » من سرَّه أن ينجِّيـه الله من كرب يوم القيامة فلينفِّس عن معسر ، أو يضع عنه « ، ثم وضع عنه ، وخفَّف عليه.
· يقول التابعي عطاء بن أبي رباح: » تفقَّدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو كانوا نسوْا فذكِّروهم « .
· فاستعينوا أيها المسلمون بالله، وتعاونوا على البر والتقوى : تفلحوا في الدنيا والآخرة.
^ ^ ^
· أيها المسلمون : وكما جاء الأمر بالتعاون على البر والتقوى فقد جاء النهي الشديد عن التعاون على الإثم والعدوان، ففي الحديث: »إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعلَ اللهُ مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه « ، وفي الحديث أيضاً : » من أعان على خصومة بظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع « .
· وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في حرمة التعاون على إيذاء المسلم: » لو أن أهل السماء وأهل الأرض ، اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار « .
· وفي زمن عمر رضي الله عنه تعاون سبعة على قتل رجل، فقتلهم عمر جميعاً وقال: »لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعاً « .
· إن من أعظم المصائب التي ابُتلي بها المسلمون اليوم: إغلاق طرق العمل الخيري ، والتضييق عليه، بحجَّة تمويل الإرهاب، فمن للمساكين، والفقراء، واليتامى ، والأرامل ؟ من يقوم عليهم ، ويسدُّ حاجاتهم إذا لم يقم بذلك المسلمون ؟
ففي الوقت التي يُضيَّق على الجمعيات الخيرية الإسلامية يُترك العنان للمنظمات التنصيرية والمشبوهة في العمل دون قيود ، فإلى الله نشكو حالنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .