· لما عزم الرسول صلى الله عليه وسلم على الحج في السنة العاشرة من الهجرة النبوية: اجتمع خلق كثير من المسلمين ، يريدون الحج معه ، والاقتداء به.
· خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بالناس من المدينة إلى الميقات بذي الحليفة, ومكث فيها يوماً ينتظر الناس حتى يجتمعوا إليه .
· وبذي الحليفة اغتسل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتطيب وتجرد عن المخيط ، ولبس ثياب إحرامه, ثم ركب ناقته, ثم رفع صوته بالتلبية.
· وقد أحرم الرسول صلى الله عليه وسلم بالحج والعمرة معاً قارناً بينهما, وقد ساق معه جمعاً من البدن ؛ ليهديها لله تعالى عند البيت.
· أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفره في ذكر وتلبية وتعظيم لله تعالى, وإعلان التوحيد الخالص له جلَّ وعلا .
· ولما وصل إلى قرب مكة نزل عند بئر ذي طوى فاغتسل هناك وبات, وفي الصباح دخل مكة من أعلاها ، وكان ذلك في الرابع من ذي الحجة.
· ولما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام أناخ راحلته ، ودخل المسجد, وتوجه مباشرة نحو الحجر الأسود فاستلمه.
· ثم بدأ الطواف مسرعاً في الأشواط الثلاثة الأولى ، وقد كشف كتفه الأيمن, ثم غطاه بعد الانتهاء من الطواف.
· ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم, ثم شرب من ماء زمزم وصبَّ على رأسه, ثم عاد إلى الحجر فاستلمه.
· ثم توجه نحو الصفا، وصعد عليه، وكبَّر الله ، ودعاه ، وهلَّل متوجهاً نحو الكعبة, ثم نزل وبدأ السعي متوجهاً نحو المروة.
· وكان عليه الصلاة والسلام كلَّما مرَّ بين الميلين أسرع في المشي وهرول, ولما وصل إلى المروة صعده ، وعمل عليه ما عمل في الصفا.
· ولما أتمَّ سبعة أشواط كان آخرها المروة: أمر أصحابه ممن لم يسق الهدي أن يتحلل ويجعلها عمرة, يُبطل بذلك أمر الجاهلية، فقد كانوا لايجمعون بين الحج والعمرة، يرون ذلك من أفجر الفجور.
· فتحلَّل كثير من أصحابه ممن لم يسق الهدي, والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتحلل لكونه قد ساق الهدي.
· وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقْصر الصلاة بمكة دون جمع, وكان يقصر معه المسافرون دون أهل مكة.
· وفي اليوم الثامن من ذي الحجة ، وهو يوم التروية أمر أصحابه ممن تحلل أن يُحرم بالحج من مكانه, ثم توجَّه بهم إلى منى ضحىً.
· فمكث في منىً حتى صـباح اليوم التاســع يقصر الصلاة الرباعية ولا يجمعها, فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل صلاة في وقتها.
· وبعد أن أشرقت الشمس من صباح اليوم التاسع توجه إلى عرفات, وقد صادف يوم عرفات من ذلك العام يوم الجمعة.
· فنزل بنمرة قبل عرفات, واستظل هناك بقبة ضربت له, ولما زالت الشمس أتى وادي عُرَنَة فخطب الناس خطبته المشهورة.
· حرَّم فيها الدماء, وثارات الجاهلية, والربا, وأمر بالنساء خيراً, وأمر بالكتاب والسنة, وأشهد الناس على التبليغ.
· ثم أمر بلالاً فأذن ، ثم أقام فصلى الظهر, ثم أقام فصلى العصر جمعاً وقصراً في وقت الظهر, ولم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما شيئاً، ولم يكن صائماً.
· ثم ركب ناقته وتوجَّه نحو الموقف بعرفات, وبقي على ناقته متوجهاً نحو القبلة ، يدعو ويبتهل عند جبل الرحمة، عند الصخرات.
· وعند الغروب تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم بسكينة نحو مزدلفة, وعندما وصلها صلى المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بأذان وإقامتين.
· ثم نام الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الفجر, فصلاه في أول الوقت, ثم ركب ناقته وأتى المشــــعر الحرام, ثم دعا عنــــده وابتهل إلى الله.
· ولما ظهر ضوء النهار قبل شروق الشمس توجه إلى منى, وأمر بعض أصحابه أن يلتقط له سبع حصيات.
· ولما بلغ وادي محسِّر أسرع قليلاً ؛ لأنه الوادي الذي أهلك الله فيه أصحاب الفيل.
· ولما وصل منى توجه نحو جمرة العقبة الكبرى فرماها بسبع حصيات في وقت الضحى ، يكبِّر مع كلِّ حصاة ، وعندها قطع التلبية.
· ثم انصرف إلى المنحر فنحر بيده ثلاثاً وستين بدنة, وأكمل عليُّ رضي الله عنه المائة, ثم أمر من كلِّ بدنة بقطعة لحم فطبخت وأكل منها.
· ثم أمر الحلاَّق فحلق رأسه ، وبدأ بالجانب الأيمن منه, وأعطى شعره للناس.
· ثم خطب الناس ووضَّح وبيَّن, وكان ما سُئل عن شيء في هذا اليوم قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال »: افعل ولا حرج « ، تسهيلاً على الناس.
· ثم ركب ناقته وتوجَّه إلى الحرم ، فطاف بالبيت على ناقته ، ولم يسع, ثم صلى الظهر, وشرب من ماء زمزم ، ثم رجع إلى منى.
· وفي اليوم الحادي عشر رمى الجمرات الثلاث بعد الزوال, كلَّ جمرة بسبع حصيات, يبدأ بالصغرى يرميها , ويدعو عندها إلا عند العقبة الكبرى، رماها ولم يقف عندها.
· ثم فعل ذلك في اليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر, حيث تأخَّر ولم يتعجَّل ، ثم غادر منىً ، ونزل الأبطح بقرب الحجون, ونام هناك، ينتظر أن تفرغ عائشة رضي الله عنها من عمرتها.
· ثم صلى الفجر بمكة ، وطاف للوداع, وعاد إلى المدينة.
· أيها المسلمون : هذه حِجَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاتقوا الله ما استطعتم في الأخذ بها, والحرص على الاقتداء به؛ فقد قال عليه السلام: »خذوا عني مناسكَكُم«.
^ ^ ^
· أيها المسلمون : من أتى هذه المناسك بإخلاص ، على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من زاد حلال : فليبشر برحمة الله وفضله, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »من حجَّ لله, فلم يرفث، ولم يفسق: رجع كيومَ ولدتهُ أمُّهُ«.
· وأما من جاء لغير ذلك رياءً وسمعة, أو جاء للنزهة والتسلية, أو جاء للفتنة أو السرقة: فويل لهم, ولا حول ولا قوة إلا بالله, والله المستعان.