· لما أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة بعد أن ضاق الأمر في مكة : هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه رفيق دعوته أبو بكر رضي الله عنه.
· ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أولوياته ثلاثُ قضايا رئيسة : المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والمعاهدة مع يهود المدينة ، وبناء المسجد.
· وقد كان بناء المسجد هو أول هذه الاهتمامات للرسول صلى الله عليه وسلم ، فما وطئت قدمه أرض المدينة إلا على موقع المسجد.
· وهذه دلالة واضحة : أن المسجد أساس ضروري للدولة المسلمة، والدولة التي لا تقوم على المسجد هشَّة البناء.
· وقد برز دور المسجد بعد الهجرة وفي زمن الخلفاء الراشدين، ففيه يجتمع المسلمون لأداء أعظم فريضة بعد الشهادتين.
· حيث تُقام في المسجد الصلاة : الفريضة والنافلة من التراويح ونحوها ، وتقام فيه صلاة الكسوف والخسوف، والاعتكاف ، والذكر والقراءة.
· فالمسجد أعظم رافد للتربية الروحية ، ولهذا فإن من قاطع المسجد فقد حُرم التربية الروحية ، وباءَ بالقسوة والجفاف الروحي.
· ولقد كان المسجد في الزمن الأول جامعةً للعلم ، فقد ارتبط العلم بالمساجد، مما أضفى على العلم الخشية والإخلاص والروحانية.
· ولهذا لما انتقل العلم من المساجد إلى المدارس والمعاهد: فَقَدَ جزءاً كبيراً من الروحانية والإخلاص, وهذا ما نشاهده في الطلاب والأساتذة في هذا الزمان.
· ولقد كان المسجد أيضاً مأوىً للمحتاجين من الفقراء والمساكين ، من مثل أهل الصفَّة, ليس لهم مأوىً إلا المسجد.
· وحتى العزّاب كانوا يأوون إلى المسجد من أمثال ابن عمر رضي الله عنهما , بل حتى الرجل يختصم مع زوجته فيذهب إلى المسجد، كحال علي حين اختلف مع فاطمة رضي الله عنهما فنام في المسجد.
· وأعجب من هذا فقد اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم جانباً منه مستشفى للمرضى؛ فقد ضرب قبَّةً لسعد بن معاذ رضي الله عنه يُعالج فيها بعد أن أصيب في الخندق.
· ولقد كان المسجد في الزمن الأول مجمَع المسلمين, ومكان الشورى, وعقد الألوية, وإعلان سياسة الدولة, واستقبال الوفود.
· لقد كان المسجد أيها المسلمون هو قلب الأمة النابض, من هجره في ذلك الزمن هلك, وفاته خير الدنيا والآخرة.
· ولهذا كان يحضر المسجد المؤمن والمنافق, فالمؤمن يحضره إيماناً واحتساباً, والمنافق يحضره لمصلحة نفسه ودنياه.
· أيها المسلمون : ولئن كان ارتياد المسجد واجباً على المكلَّفين القادرين من ذكور الأمة, فقد رتَّب المولى عليه عظيم الثواب:
· فالصلاة فيه تزيد على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة, وصلاة الفجر فيه والعشاء تقوم مقام قيام الليل بأكمله.
· وخُطُوات الماشي إلى المسجد إحداهما تحطُّ خطيئةً والأخرى ترفع درجة, والأبعد عن المسجد أعظمُ أجراً, والجالس في المسجد في أجر الصلاة وثوابها, والملائكة تصلي عليه وتدعو له: اللهم اغفر له, اللهم ارحمه.
· ولقد أمر الشارع الحكيم بتطهير المساجد من كلِّ ما يَشينها, من الماديات والمعنويات, فقد أمر بتطهيرها من الأوساخ والقاذورات والروائح الكريهة, وأمر بالطيب والنظافة وحسن الثياب.
· وفي الجانب الآخر : أمر برفع شأن المسجد عن التجارات، والبيع، والشراء ، ورفع الصوت, واللغو, وإنشاد الضالة ونحوها.
· وكلُّ ذلك حتى تخلص هذه المساجد لله تعالى بالطهارة المادية والمعنوية, فهي بيوت الله, خالصةً لله تعالى.
· أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (.
^ ^ ^
· ولئن كان المسجد شرعياً وتاريخياً بهذه المنزلة العظيمة: فقد بدأ المسجد منذ زمن يفقد مكانته ودوره شيئاً فشيئاً.
· فمازال المسجد يفقد دوره الريادي في حياة المسلمين, ويتحوَّل إلى مجرَّد رمز حضاري, يُبنى ويُشيَّد دون عمَّار ولا عباد.
· وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: » سيأتي على أمتي زمان يتباهون في المساجد ، ولا يعمرونها إلا قليلاً «.
· وقد تجد من الناس من لا يأتي المسجـــد إلا في الجمعة , ومنهم من لا يأتيه أبداً إلا حين يُحمل على الأعناق للصلاة عليه.
· لقد استقر في نفوس كثير من الناس أنه لا حاجة لهم في المسجد, فمصالحهم تُقضى في خارجه, فما حاجتهم لحضور المسجد؟.
· لقد نسيَ هؤلاء أن المساجد بيوت الله سبحانه وتعالى, فمن أعرض عنها فقد أعرض عن ربه عز وجل.
· أيها المسلمون : في عصرنا هذا يعتبر المسجد هو المَعْلم الوحيد الذي بقيَ من معالم حياة المسلمين, فغالب المـدن الإسلاميــة المعاصــرة لا يُميِّزها عن مدن غير المسلمين إلا المساجد؛ ولهذا حين يتغلَّبُ الكفار على بلد من بلاد المسلمين: يهدمون مساجدها.
· إن أعداء الإسلام يدركون خطر المساجد عليهم أكثر مما يُدرك كثيرٌ من المسلمين أهمية المساجد بالنسبة لهم.
· فاتقوا الله أيها الناس ، واعلموا أنكم في حاجة إلى المساجد كحاجة السمك إلى الماء أو أشد, فقد سُئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يصوم النهار, ويقوم الليل إلا أنه لا يحضر الجمعة ولا الجماعة فقال: »هو في النار«, فكيف بمن لا يصوم ولا يصلي ولا يعرف لله تعالى حدوداً يقف عندها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.