· لقد جرت سنة الله تعالى بتكليف الإنسان, وتحميله المسؤولية, دون سائر المخلوقات العجماوات.
· فقد أكرم الله تعالى الإنسان بالعقل المميِّز, وبصَّره بالكتب التي أنزلها, وأرشده بالرسل التي أرسلها إليه.
· فليس للإنسان عذرٌ يُقبل بعد نعمة العقل, والهداية إلى الدين الحق, وبعث الرسل عليهم السلام ، فالحجة على الخلق قائمة:
· قال الله تعالى: ) قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (.
· وقال أيضاً: ) وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (.
· وقال أيضاً: ) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (.
· ومع وضوح المسؤوليــة التي كُلِّف بها الإنسان, إلا أن الغفلة كثيراً ما تسيطر عليه, فينسى ويسهو عن ربه.
· فترى في الحياة جمعاً كبيراً من الناس يعيشون في غفلة كاملة عن الحقائق الكبرى, والمصير المحتوم الذي ينتظرهم.
· حياة لاهية, وقلوب غافلة, وأوقات ضائعة, وأموال مبذَّرة, وطاقــات مُهْدرة ، وعيون زائغة, وعقول شــاردة, وألسنة فاحشة, لا يصلُون الأرحام, ولا يتصدقون بالأموال, ولا يحافظون على العبادات, وكأنهم خُلقوا عبثاً.
· وفي مثل هؤلاء وأشباههم يقول الله تعالى: ) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (.
· ويقول أيضاً: ) إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ(.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الغافلين: » ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار ، وكان ذلك المجلس عليــهم حســــرة «, ويقول أيضاً: » مثلُ الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثلُ الحيِّ والميت «.
· ويقول أيضاً: » من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة – يعني نقص – ومن اضطَّجع مضجعاً لا يذكُرُ الله فيه كانت عليه من الله ترة «.
· قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : » ليس تحسُّرُ أهل الجنة إلا على ساعةٍ مرَّت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها «.
· أيها المسلمون : إذا كان مجرَّد الغفلة عن ذكر الله في حدِّ ذاتها ندامة وحسرة, فكيف بمن يجتمع على الحرام فيأكُلُهُ, أو يشربه, أو يشاهده, كيف بمن يجتمع على الفجور والفسق في أندية صاخبة, وشواطئ فاجرة, وملاهي فاسدة.
· ألا يتقي الله أناسٌ أمدَّهُمُ الله بالمال والصحة, ثم هم ينفقون أموالهم في الحرام, ويفنون صحتهم في الباطل.
· والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: » يُؤتى بالعبد يوم القيامة, فيقول له: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً, وسخَّرت لك الأنعام والحرث, وتركتك ترأسُ وتربَعُ, فكنــت تظنُّ أنك ملاقيَّ يومَكَ هذا ؟ فيقول: لا, فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني «.
· ألا فلْيتقِ الله أناسٌ ينشطون للباطل واللهو, ويكْسَلُون عن الطاعة والبر, والله تعالى يقول: ) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (.
· والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: » لينتَهيَنَّ أقوامٌ عن ودَعِهِمُ الجُمُعات ، أو ليختمنَّ الله على قلوبهم ثم ليكونُنَّ من الغافلين «.
· ويقول عمر رضي الله عنه: » لا تقطع النهار سادراً – يعني غافلاً – فإنه محفوظ عليك ما عملت «.
^ ^ ^
· لقد ضرب السلف المثل الرائع في حفظ الأوقات, وملئها بالصالحات, فهذا ابن مهدي يقول: » كنا مع الثوري جلوساً بمكة, فوثب وقال : النهار يعمل عمله « ؛ يعني النهار يمضي, وقام لشأنه.
· وهذا أبو بكر النهشـلي يتحامل على نفسه لأداء الصلاة وهو مريض لا يستطيع القيام, فيُعاتَبُ في ذلك ؛ لكونه لم يأخذ بالرخصة فيقول: » أُبادر طيَّ الصحيفة «؛ يعني يبادر ختم أعماله ، والختم على صحيفته.
· وقال أبو الحسن الجراحي: » ما جئت إبراهيـــم بن حمــاد الأزدي إلا وجدتهُ يقرأ أو يصلي «.
· لقد أدرك السلف: أنه بقدر غفلة العبد عن ربه يكون بعدُه عنه, وأن من أحبَّ نفسه عمل لها, يعني من الصالحات الباقيات.
· والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: » الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبع نفسه هواها ، وتمنى على الله«.
· ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مشجعاً على الصلة بالله تعالى، ونبذ الغفلة: » من قرأ عشْر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين «.
فبادروا أيها الناس بالأعمال الصالحة ، واحذروا الغفلة ، واعلموا أن الدنيا سجنُ المؤمن وجنة الكافر, وعمَّا قليل يذهب كلٌ إلى سبيله, والله المستعان, ولا حول ولا قوة إلا به.