· لما أراد الله أن يخلق الإنسان على نمط يختلف عن باقي المخلوقات: أمر جبريل عليه السلام أن يقبض قبضة من تراب الأرض.
· فقبض جبريل عليه السلام قبضة من جميع جوانب الأرض، من سهلها وجبلها، حتى جاءت القبضة على ألوان وأخلاق وأشكال بني آدم.
· وإلى هذا الحد فإن الإنسان لا يعدو أن يكون مخلوقاً من المخلوقات كسائر الحيوان حتى أمر الله بنفخ الروح فيه.
· فإذا بهذه النسمة العجيبة التي سرت فيه من الملكوت الأعلى أعطته كلَّ هذا التميز والشرف على باقي المخلوقات.
· ثم أصبحت سنة الله في خلق الإنسان أن يبدأ نشأته من ماء مهين هو من مكونات الأرض, ثم يأتيه الملك فينفخ فيه الروح.
· فالإنسان بناء على هذا يحمل طبيعة مزدوجة, ظاهرها مادي من مكونات هذه الأرض, وباطنها روحي من الملكوت الأعلى.
· ولهذا عندما يموت الإنسان يذهب كلُّ عنصر منه إلى أصله, فالبدن يذوب في الأرض, والروح تعود إلى بارئها فيأمر بها حيث يشاء.
· وبناء على هذا الفهم فإن الإنسان مزدوج الكيان, يجمع في تكوينه بين الروح والمادة، فكان واجباً عليه أن يسعى في صلاح جانبيه الروحي والمادي.
· فأما صلاح البدن فبالغذاء والدواء واللباس والرياضة ونحوها مما عرفه الناس من شروط الصحة البدنية.
· وأما صلاح الروح بصفائها وانشراحها وطهارتها وإشراقها، فلا طريق إلى ذلك إلا بالوحي من عند الله تعالى.
· فالإنسان من خلال تراكم الخبرات والتجارب يستطيع أن يعرف وسائل إصلاح بدنه, وأما صلاح روحه فلا سبيل إليه إلا عن طريق الرسل عليهم السلام.
· وقد كلَّف الله تعالى الرسل عليهم السلام بتزكية الناس وتربية أرواحهــــم, كما قال تعالى في حق النبي
· فالطريق إلى إصلاح الأرواح وتزكية النفوس مغلقة إلا عن طريق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
· ولما كانت طاعة الأنبياء غير تامـــة عند غالب الأمم, كما قال تعالى: ) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (: ظهر في الناس الجفاف الروحي, وعمَّت غالب الخلق أزمة روحية, ولا سيما في هذا العصر الذي استفحلت فيه القيم المادية, وضعفت فيه القيم الروحية.
· ورغم ما حقَّقَه الإنسان اليوم من انتصارات مادية كبيرة , فإنه يعيش أزمات روحية قاسية, لا يعرف لها علاجاً ولا مخرجاً.
· فالأبدان قد شبعت من الرفاهية والتقدم المادي, وأما الأرواح فإنها قابعة في حمأة مظلمة, تتعطش إلى غذائها وراحتها.
· وقد ظن البعض أن مزيداً من الرفاهية المادية يمكن أن تغني عن التربية الروحية، فما ازدادوا بالرفاهية إلا ضلالاً وخبالاً وأزمة.
· ولما أيقن الإنسان المعاصر بحاجته إلى التربية الروحية: أخذ يبحث عنها في الديانات الماضية الباطلة: البوذية والهندوسية ونحوهما .
· وقد خاض جمع من الناس في هذه الديانات الباطلة بحثاً عن الخلاص من أزماتهم الروحية, فما وصلوا إلى شيء.
· نعم، ما وصلوا إلى شيء، ولن يصلوا إلى شيء؛ لأن منهج إصلاح الأرواح لا يأتي من خلال خبرات الشعوب، وإنما يأتي من خلال الوحي.
· وليـس لدى البشريـــة اليوم وثيقــة صادقــة صالحة من وحي الله إلا ما حفظه الله عند المسلمين من علم الكتاب والسنة.
· فالمنهج الذي تزكَّت به نفوس السلف الصالح هو عين المنهج الذي بين أيدينا, كما هو ، لا يزال غضاً طرياً كما أُنزل، بصفائه ونقائه.
· فلماذا يتيه عنه الحائرون في هذا العالم ؟ إنهم لا يثقون فيه بسبب واقع المسلمين المعاصر، وانحرافاتهم وتخلُّفهم.
· ولا ينبغي استغراب ذلك فقد تاه عن هذا المنهج الحق جمع كبير من أبناء المسلمين، حين توجهوا -يبحثون عن راحة أنفسهم- نحو: المخدرات, والطرب, والخمر, والانتحار, عندما يشعر أحدهم بضيق في نفسه فلا يعرف كيف يعالج روحه.
· فإذا كان ابن المسلم المصلي يتيه عن دينه الحق فكيف باليهودي والنصراني ؟
· فاتقوا الله أيها الناس واعرفوا قدر دينكم, وما أنعم الله به عليكم, وحَرَمَ غيرَكُم.
^ ^ ^
· أيها المسلمون : إن استفحال المادية يحتِّم علينا إبراز الروحانية في صفائها ونقائها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
· إن من الضروري أن نتيقَّن أن السعادة لا يمكن أن تتحقق للفرد دون الحياة الروحية الصحيحة.
· ثم إن حياة الفجور واللهو والانحراف والمجون ليست إلا صورة من صور ضياع الحياة الروحية واضمحلالها وضعفها.
· أيها المسلمون : إن الاستمتاع بالروحانية الحقَّة لا يتم إلا من خلال سلامة العقيدة، وصحة العبادة.
· فإذا سَلِمت العقيدة وصحَّت العبادة: لابد – بعد ذلك - من الإكثار من النوافل: الصلاة, الزكاة, الصدقة ونحوها من العبادات.
· فإذا اقتنع العبد بهذه النوافل فإنه لابد لهذه النوافل من المداومة عليها، وعدم الانقطاع, وفي الحديث : » أحب الأعمال إلى الله : أدومها وإن قل «.
· فإذا داوم عليها العبد, وأصبحت جزءاً من حياته: فليحذر المعاصي؛ فإنها نُكَتٌ تقع على القلب حتى تعلوه, فإذا وقع في خطأ : استغفر وأناب حتى يُصقل منها, فإذا كان كذلك فقد نال نصيبه من التربية الروحية.
· فاحرصوا أيها المسلمون على زكاة نفوسكم، وانشغلوا بها فإنها مسؤولية الجميع الأولى.