· إن من أعظم العواطف عمقاً وقوة في النفس الإنسانية : عاطفة الحب والبغض, وما يترتب عليها من الولاء والبراء.
· فليس أحد من الناس إلا وهو يحب ويبغض أشياء, وأشخاصاً, وأعمالاً, ويوالي في ذلك ويُعادي.
· والخالق العظيم حين ركَّب هذه العاطفة في الإنسان : أراد من ورائها إصلاحه, فيحب ما يُصلحه, ويُبغض ما يضره.
· إلا أن الإنسان قد ينجرف وراء هواه فيحب ما يضره, ويبغض ما ينفعه, كما قال تعالى: ) وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ (.
· ولهذا لم يترك المولى للإنسان هواه يحدد لنفسه ما يحب وما يكره, وإنما حدَّد له ما يحب, وحدَّد له أيضاً ما يكره.
· فالمؤمن يحبُّ كلَّ ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأعمال والأشخاص والأشياء, ويُبغض كلَّ ما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور.
· وإن من أعظم مظاهر الحبِّ والبغض التي أوجبها الله على المؤمنين هي: حبُّ المؤمنين وموالاتهم, وبغض الكافرين ومعاداتهم.
· في ذلك يقول الله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ (.
· ويقول أيضاً: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (.
· ويقول تعالى أيضاً : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (.
· ويقول تعالى: ) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(.
· ويقول: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (.
· وفي هذا المعنى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: » لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحبَّ المرءَ لا يحبه إلا لله «.
· ويقول أيضاً: » أنا بريء من كلِّ مسلم يُقيم بين أظهر المشركين «, ويقول: » لا تُساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم, أو جامعهم فليس منــا «, ويقول: » من تشبَّه بقوم فهو منهم «, ويقول: » المرء مع من أحب «.
· وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الحبَّ في الله والبغض في الله من شعب الإيمان فقال: » أوثق عُرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله, والحب في الله, والبغض في الله «, وقال :» من أعطى لله, ومنع لله, وأحبَّ لله, وأبغض لله: فقد استكمل إيمانه «, وقال أيضــاً: » أفضل الأعمال الحبُّ في الله، والبغض في الله « .
· يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : » لو أن رجلاً قام يعبد الله بين الركن والمقام سبعين سنة لبعثه الله مع من أحبَّ يوم القيامة «.
· يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: » من بنى بأرض المشركين فصنع نيروزهم ومهرجانهم, وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك: حُشر معهم يوم القيامة«.
· إنَّ هذه النصوص والآثار الموجبة لموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين وجدت صداها الواضح في حياة السلف من الصحابة الكرام.
· فهذا أبو بكر رضي الله عنه يوم بدر لا يبالي إن وجد ولده عبد الرحمن أن يقتله, فقد قال له بعد إسلامه: » لو رأيتك ما صدفت عنك «، يعني لم أترك حتى أقاتلك.
· وهذا أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه يقتل أباه يوم بدر.
· وهذا مصعب بن عمير رضي الله عنه يوصي الأنصاري أن يشدَّ وثاق أخيه المشرك لعل أمَّه تفديه بمالها.
· وهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين تُلحُّ عليه أمُّهُ أن يترك دينه فيقول: » يا أمَّاه لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفساً نفساً
ما تركت ديني «.
· وهذه أم حبيبة رضي الله عنها يدخل عليها أبوها أبو سفيان – قبل إسلامه في هدنة الحديبية- فتطوي عنه فراش رســـول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يجلس عليه.
· إنَّ هذه المظاهر الاعتزازية بالدين, هي التي أعقبت السلف النصر والتمكين, وما هُزمت الأمة في هذا العصر إلا من تخاذلها في أخذ دينها بقوة, وموالاتها للكفار, ومعاداتها فيما بينها.
· ولن يُكتب للأمة تمكين مهما فعلت حتى تعرف أين تضع حبَّهَا وودَّها وموالاتها, وأين تضع بغضها وكرهها ومعاداتها.
· اللهم ألهمنا رشدنا, وأصلح ذات بيننا, واهدنا سبل السلام.
^ ^ ^
· أيها المسلمون: إن مبدأ الولاء والبراء يستلزم من المسلمين أموراً ضرورية منها:
· الاعتقاد ببطلان جميع الأديان، وعدم الرضى عنها أو إقرارها إلا دين الإسلام، مع إعطاء غير المسلمين حقَّهم في الاعتقاد والتعبد؛ إذ لا إكراه في الدين.
· تحريم نصرة الكافرين على المسلمين في أي صورة من الصور, فإن المسلم ينصر المسلم, فمن خذل مسلماً خذله الله.
· عدم التمكين للكفار في بلاد المسلمين, بحيث يكون لهم سلطة على المسلمين, فإن الكافر لا يعلو المسلم أبداً.
· رفض المساواة بين المسلم والكافر, فليس دم المسلم كدم الكافر, فإنه لا يقتل مسلم بكافر.
· تحريم التجسس لصالح الكفار, بحيث يعطون أسرار المسلمين, فهذا لا يفعله إلا منافق.
· عدم الميل القلبي تجاههم, بحيث لابد أن يقع بغضهم في القلوب, حتى وإن تعامل المسلــم معهم في الظاهر بالحسنى، فبغضهم ومعاداتهم لا يقتضي ظلمهم.
· تحريم تمكينهم من ثروات المسلمين وأموالهم بغير وجه حق.
· اللهم لا تمكن للكافرين في بلاد المسلمين, اللهم اجمع شملنا, ووحد صفنا, وانصرنا على عدونا وعدوك يا رب العالمين.