· يتوسَّط الإنسان عالميْن, عالماً قد تمادى في الكِبَرِ والعظمة, وعالماً قد تناهى في الصغر والدِّقَّة.
· ولئن كان عالم الصغر والدقة لا يزيد في الغالب في مشاعر الإنسان إلا التعجُّبَ والاستغراب والدهشة, فإنَّ عالم الكِبَرِ والعظمة في ملكوت الله تعالى يُدخل على الإنسان مشاعر الخوف والرهبة والخشية.
· قال أبو ذر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: »أيُّ آيةٍ أنزلها الله عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي, ثم قال: يا أبا ذر
ما السمواتُ السبعُ في الكرسي إلا كحلقةٍ ملقاةٍ في أرض فلاة, وفضلُ العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة «.
· وعن العباس رضي الله عنه قال: » كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فمرت سحابة فقال: ما هذا ؟ قلنا السحاب، قال: والمزن؟ قلنا: والمزن, قال: والعنان؟ قلنا: والعنان, قال: تدرون ما بُعْدُ السماء إلى الأرض؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: كذا وكذا سنة, ثم عدَّ سبعَ سماواتٍ وفوق ذلك بحرٌ ما بين أعلاه إلى أسفله ما بين سماء إلى سماء, وفوق ذلك ثمانية أوعال, ما بين أظلافهن وركبهن ما بين سماء إلى سماء, والعرش فوق ذلك, والله تبارك وتعالى فوق ذلك بعلمه على العرش «.
· خرج مرةًَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون فقال: » فيمَ تتفكرون؟ قالوا: نتفكر في خلق الله تبارك وتعالى, قال: فلا تفكروا في الله, ولكن تفكروا في خلق الله, فإنه خلق خلقاً قدماهُ في الأرض السابعة السفلى, ورأسُهُ قد جاوز السماء العليا, ما بين قدميه إلى منْكبيه مسيرةَ ثلاثمائة عام, وما بين كتفيه إلى أخمُصِ قدميه مسيرة ثلاثمائة عام, فالخالق أعظم من المخلوق, ســـبحان الله العظيم «.
· ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: » ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام, وما بين السماء الثالثة والتي تليها وبين الأخرى مسيرة خمسمائة عام, وبين كلِّ سماءَين مسيرة خمسمائة عام, وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام, والعرش فوق الماء, والله عز وجل فوق العرش, وهو يعلم ما أنتم عليه «.
· وقال مجاهد: » ما أخذت السماوات والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من الأرض الفلاة «.
· أيها المسلمون إنها العظمة في أبلغ صورها, والمجد الذي ليس بعده مجد. (الله أكبر).
· ما قَدَرَ اللهَ حقَّ قدره من كفرَ به, ولا قدره حق قدره من أصرَّ على عصيانه, وهو الذي يتناول بيده السماوات والأرض, ) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (.
· جاء حَبرٌ من أحبار اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
» يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع, والأرضين على إصبع, والجبال على إصبع, والشجرَ والأنهار على إصبع, وسائر الخلق على إصبع, ثم يقول : أنا الملك « , فضحك رســـول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ: ) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (.
· نعم ما قَدَرَ اللهَ حقَّ قدره من لم يحَكِّم شريعته, ما قَدَرَ اللهَ حقَّ قدره من تجَبَّر في الأرض, ما قَدَرَ اللهَ حقَّ قدره من تكبَّر في الأرض.
· قال الرسول صلى الله عليه وسلم: » يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة, ثم يأخذهنَّ بيده اليُمنى, ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون, أين المتكبرون, ثم يطوي الأرض بشماله, ثم يقول:
أنا الملك أين الجبارون, أين المتكبرون «.
· نعم أين المتكبرون أين الجبارون, أين طواغيت الأرض الظلمة, أين هم يوم يطوي الجبارُ السماوات والأرض بيده, أين هم يومئذٍ؟.
· إنَّهُمُ اليومَ يعيشون في غفلة عن هذه الحقائق العظمى, والأهوال الكبرى، إنهم ضمن المهلة التي أمهلهم الله, حتى إذا أخذهم لم يفلتهم.
· أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (.
^ ^ ^
· إن من أعظم العقوبات في الدنيا: أن يصرف الله قلب العبد عن التأمل والتفكر في أمر الله تعالى, فلا يُوفَّقُ للاعتبار والإدِّكار, كما قال سبحانه وتعالى: ) سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (.
· ولقد أكرم الله سلف هذه الأمة بحسن النظر والتفكر, فقد كان عامة عبادة بعضهم: التفكر في أمر الله تعالى, كحال أبي الدرداء رضي الله عنه.
· يقول سعيد بن المسيِّب: » عبادةُ الله ليس بالصوم والصلاة، ولكن بالتفقه في دينه، والتفكر في أمره «.
· إنَّ المتفكِّرَ في أمر الله حريٌ أن يدفعه هذا التفكر إلى النظر في حاله, وكيف يقدم على ربه عز وجل.
· إن التفكر في أمر الله تعالى وعظيم شأنه يبعث في نفس المسلم الخشية التي تدفعه إلى الاستقامة والطاعة.
· يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضــل الخشية من الله تعالى: » لا يلجُ النارَ رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعودَ اللبن في الضَّرع «.
· ويقول أيضاً: » من ذكر اللهَ ففاضت عيناه من خشية الله حتى يُصيبَ الأرضَ من دموعه: لم يُعذِّبه الله تعالى يوم القيامة «.
· اللهم ارزقنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك.