· يختلف الناس في تقويمهم للأشياء والأشخاص والممتلكات والمواقف وذلك بناء على عقائدهم وآرائهم وأهوائهم.
· فالإنسان ينظر لأحداث الحياة ومواقِفِهَا وكلِّ ما فيها بناء على خلفيته وتصوراته واعتقاده.
· ولما كان الناس يختلفون في عقائدهم وتصوراتهم: اختلفت بناءً على ذلك نظراتُهُم إلى الأشياء والمواقف والأمور.
· فمن الناس من يعطي المال القيمة الكبرى في هذه الحياة, فيعتقد أنَّ المالَ هو أعظمُ قيمة في هذا الوجود.
· فترى هذا الصنف من الناس ينطلق لجمع المال من كلِّ صوب, من حلال وحرام, حتى إنه ليبخل باللقمة على المسكين, ينزعها من فمه نزعاً؛ ليضمَّها في حساباته.
· ومن الناس من يعطي القيمة الكبرى للسلطة, فتراه يسعى بكل قوة وحيلة ليترأس الناس, ويتسلَّط عليهم, فلا يجد سعادته وسلْوته إلا حين يتحكَّمُ على الناس, بل إن بعضهم ليسعى في طلب الرئاسة ولو كانت على شخص واحد, فأسعد أيامه حين يكون رئيساً.
· ومن الناس من يعطي القيمة الكبرى للشهرة والجاه, فسعادته حين يعرفه الناس, ويتحدثون عنه, فتراه ينطلق في هذه الحياة يطلب الشهرة بأفكارٍ يطرحُها, أو أعمال يقوم بها, أو ملابس يلبسها, أو لعبة رياضية يتفوق بها, دون أن يبالي أيكون ذلك في حلال أو في حرام.
· ومن الناس من يُعطي القيمة الكبرى للشهوات, فهمُّهُ الأكبر أن يأكل ألذَّ الطعام, وأن ينكح أحلى وأشهر النساء, فتراه ينطلق في الحياة ليس له همٌ إلا أن يُشْبِعَ بطنه بأنواع الطعام, ويسكِّنَ شهوته بنكاح النساء، ومخالطة الخليلات.
· فإذا بهؤلاء جميعاً ومن هم على شاكلتهم لم يصلوا إلى شيء, فصاحب المال قد تعس بعبادته للدرهم والدينار, فكان في زمرة قارون وأشباهه.
· وأما صاحب السلطة والترأس, فإذا به مكتوفاً بين يدي الله تعالى, قد غُلَّت يداه إلى عنقه, لا يطلقها من غلِّها إلا العدل, وأنَّى له ذلك.
· وأما صاحب الشهرة والجاه, فإذا به قد افتُضِحَ يوم القيامة على رؤوس الخلائق, قد سمَّع اللهُ به كما سمَّع بنفسه في الدنيا, وراءى بأعماله.
· وأما صاحب الشهوات الذي لم يحفظ فَمَهُ وفرْجه, فإذا به يوم القيامة في تنُّورٍ يشتعل عليه ناراً, يصيح مع الصائحين من الزواني والزناة.
· فلا صاحب المال نفعه مالــه, ولا صاحب السلطة خدمته سلطته, ولا صاحب الشهوات أسْعفته شهواتُهُ, ولا صاحب الشهرة انتفع بها.
· الكلُّ جاء يوم القيامة مُفلساً من العملة الرائجة في ذلك اليوم, العملة التي لا يقبل الله تعالى غيرها: إنها الإيمان والعمل الصالح.
· إنَّهُ الإيمان الذي ملأ قلب المؤمن وتشعَّب في جوانبه, حتى فاض على جوارحه, فلا يسلُكُ إلا في مرضاة الله تعالى, ولا يخطو إلا في رضاه.
· إنَّهُ الإيمان الذي لا شكَّ معه ولا ريب, قد خلُص من الشرك الأكبر والأصغر: لا ردة ولا رياء ولا نفاق.
· إنَّهُ الإيمان المقتضي لذُلِّ العبودية لله وحده, مع عظيم المحبة والإجلال والتقديس له سبحانه وتعالى.
· إنَّهٍُ الإيمان الحيُّ الفاعل, الذي يدفع صاحبه إلى الطاعات والخيرات, ويعصمه من المعاصي والموبقات.
· إنَّهُ الإيمان الصحيح, الذي يوجِّه العبد لله وحده, بعبادته ودعائه, واستغاثته, ورجائه, فلا يدعو مع الله أحداً.
· إنَّهُ الإيمان القـــوي, الذي يصمــد أمام فتنة الشهوات والشبهات, فلا تضرُّه فتنة ما دامت السماوات والأرض.
· إنَّهُ الإيمان الذي يحفظ يد المسلم من أن تأخذ حراماً, أو تدفع حراماً.
· إنَّهُ الإيمان الذي يحفظ عين المسلم من أن تنطلق تنظر فيما حرم الله.
· أيها المسلمون: ما قيمة هذه الحياة الدنيا بكلِّ ما فيها من الثروات والكنوز، أمام عقيدة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله, فلو كانت السماوات والأرض حلقة واحدة لقسمتهم لا إله إلا الله.
· ما قيمة كل متاع الحياة الدنيا حين يأتي الإنسان فقيراً من الإيمان والعمل الصالح, فماذا تغني عنه هذه الملذات؟.
· أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (.
^ ^ ^
· أيها المسلمون: إنَّ قضية الإيمان هي قضية القضايا, ومحور المحاور, وأسُّ الأسُسِ, وأصل الأصول, هي كلُّ شيء في هذا الوجود.
· إنَّ الرجل الضخم العظيم الفقير من الإيمان لا يزن عند الله جَنَاحَ بعوضة يوم القيامة, وإنُّ الرجل الهزيل النحيل الغني بالإيمان أثقل في الميزان من الجبال.
· اعلموا أيها المسلمون أنه لا ينفع العمل مهما كان كثيراً ومتقناً بغير الإيمان, فكيف بمن جاء يوم القيامة بلا عمل ولا إيمان؟.
· يقول الله تعالى: ) وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (, ويقول: ) مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( .
· يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: »إنَّهُ لا يدخلُ الجنَّةَ إلا نفسٌ مسلمة «.
· فاحرصوا أيها المسلمون على الإيمان, واحذروا الفتن على قلوبكم, ولا يصح أن يأمن المسلم على إيمانه, فإن القلوب بين أُصبعين من أصابع الرحمن، يقلِّبُهَا كيف يشاء.
· اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة, اللهم ارزقنا إيماناً صادقاً, ويقيناً كاملاً, وقلباً خاشعاً.
· اللهم لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا, وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.