تجاوزات منظمة الأمم المتحدة في شأن المرأة والأسرة المسلمة

مقال شهر شعبان 1434هـ

 

تجاوزات منظمة الأمم المتحدة في شأن المرأة والأسرة المسلمة

         الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للخلق أجمعين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وبعد .. فإن المهتمين يتابعون بحرص أخبار اجتماع مندوبي دول العالم في مقر الأمم المتحدة في اجتماعات لجنة "وضع المرأة" تحت شعار : ( القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات ومنع وقوعه ) ، وما رافق ذلك من لقاءات وفعاليات وحملات إعلامية محلية ودولية لمناهضة كل أشكال العنف ضد النساء ، حسب ما هو معلن ومتداول .

       ولا شك أن المسلمين في كل مكان ، من خلال نصوصهم الشرعية المقدسة ، وما اعتمدوه من المبادئ الأخلاقية المحترمة ، وعبر مواقف تاريخهم الطويل : يستنكرون بشدة كل أشكال المظالم البشرية التي تطال الإنسان أياً كان ، أو المجتمعات أياً كانت ، وتحت أي مسوغ ، مما تنال الناس في حقوقهم المشروعة ، واختياراتهم الحرة ، مع الإقرار بحقوقهم المكفولة في الحياة الكريمة كأفراد أو جماعات ، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية ، أو الجنسية ، أو العرقية ، أو النوعية ، لاسيما الظلم الذي يطال ضعفاء المجتمع من النساء والأطفال والمساكين ، ممن يقعون عادة فريسة للاضطهاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، فلا يجدون ما يدفع عنهم الظلم ، ولا يهتدون إلى ما يحميهم من البطش .

        وهذا الاتجاه الإسلامي هو عين ما دعت إليه منظمة الأمم المتحدة منذ نشأتها ، ووقَّعت عليه غالب دول العالم مقرَّة به ، إلا أن اتجاهات حديثة طرأت على توجهات المنظمة ، تتبنى جمعاً من الاختيارات التشريعية المتعلقة بالمرأة ، والأسرة ، والعلاقات الإنسانية ، التي تُصنَّف لدى جميع الشعوب ضمن الخصوصيات الأممية ، التي يصحُّ فيها التباين والاختلاف ، ولا يجوز فيها الفرض ولا الإلزام ؛ وذلك لتعلق هذه التشريعات - عند غالب الأمم - بالخلفيات الدينية والتراثية والاجتماعية ، التي تعتز بها الشعوب ، ولا تقبل المساومة فيها ، أو التنازل عنها ، مما يستحيل معه إلزامها بما يخالف معتقداتها وتراثها ، وما اعتادت عليه من موروثها الثقافي .

        ومنذ سنوات والمنظمة تعقد جمعاً من المؤتمرات واللقاءات ، وتصدِّر الوثائق والاتفاقيات حول وضع المرأة والأسرة في العالم ، لاسيما في دول العالم الثالث ، الذي تشكِّل الدول العربية والإسلامية العديد من دوله ، بهدف تحسين وضع المرأة ، ورفع المظالم عنها ، وتمكينها من حقوقها ، وفق ما نصت عليه هذه الوثائق والاتفاقيات .

       وعلى الرغم من التوافق بين اتجاه المنظمة في رفع المظالم عن المرأة والأسرة ، وبين وجهة جميع الشعوب والحكومات ، إلا أن توصيف لجان المنظمة للمشكلة ، واختياراتهم غير الدقيقة لحلها ، وفرضهم أساليب معينة لمعالجتها ، دون مراعاة لاختلاف الثقافات ، وتباين الديانات ، وحق الاختيار : هو موضع استهجان شعوبي عام ، من جميع المجتمعات المعاصرة ، لاسيما من الشعوب الإسلامية ، التي تعتقد أن أحكام الأحوال الشخصية والأسرية مقدسة ، لا يجوز المساس بها ، أو تعديلها تحت أي مسوغ ؛ ولهذا ظلت هذه الأحكام قائمة في العالم الإسلامي ، رغم تنحية الشريعة الإسلامية في غالب دوله ، فما تزال الشعوب الإسلامية تعمل متقيِّدة بالأحكام المتعلقة بالأسرة ، والمرأة ، والزواج ، والطلاق ، والنسب ، والولاية ، والإرث ، والإجهاض ، وما يتعلق بالحقوق والواجبات الزوجية ، وضوابط السلوك الجنسي ، ونحوها من القضايا التي نصت فيها الشريعة الإسلامية على أحكام بيِّنة واضحة ، وفروض مشهورة معروفة ، مما أجمعت عليه الأمة ، ضمن ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، مما يؤمن به عوام المسلمين ، فضلاً عن خواصهم وعلمائهم ، ضمن ما اعتادوا على العمل به ، وتوارثوا الانقياد له ، عبر قرون متطاولة من الزمان .

       ولهذا فإن المساس بهذه الثوابت الشرعية هو في الحقيقة مساس بأصل الدين الإسلامي ، الذي يدين به أكثر من مليار ونصف المليار من الناس ، وهو تحكم - لا مبرر له - في الخصوصيات الدينية للأمة الإسلامية ، وتدخل سافر في أكثر الشئون الاجتماعية حساسية لدى المسلمين ؛ إذ إن حفظ النسل ، وحماية العرض ، وضبط النسب ، وما يتفرع عنها من أحكام فقهية ملزمة : تأتي أولوية شرعية مقدمة ، ومقصداً محفوظاً من مقاصد التشريع الإسلامي .

    ومن هنا يظهر أنه لا مسوغ للمنظمة يفسر اتجاهها هذا إلا رغبة بعض الدول والمنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية في فرض رؤيتهم الخاصة على باقي شعوب العالم الثالث ، في الوقت الذي تمتنع فيه العديد من الدول المتقدمة عن القبول بهذا التدخل ، وتحتفظ لنفسها بحق الاختيار الشعبي للخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية والأسرية ، ولا شك أن المسلمين هم أولى بالتمتع بهذا الحق الشعبي في الاختيار ، وليس ذلك من باب التعصب الذي تنتهجه بعض المجتمعات في التعامل مع الأفكار والآراء والمفاهيم ، وإنما هو من باب حفظ الهوية الإسلامية ، التي تعتبر أن إبطال حكم واحد مما أجمعت عليه الأمة من ضروريات الدين ، هو في حقيقته إبطال للدين كلِّه ، وخرم لأصل العقيدة .

      والأمة الإسلامية في كل مكان - من منطلق حرصها على ثوابت الدين ، وحفظها هوية الأمة - تستنكر توجه منظمة الأمم المتحدة نحو التعرض لخصوصيات المجتمع الإسلامي وثوابته ، باعتبار ذلك خارج مهامها التي أنشئت من أجلها ، وتدخل في الشأن الاجتماعي الخاص للشعوب الإسلامية .

        لذا فإن الواجب على شعوب العالم وحكوماته ومنظماته الدولية والمحلية الوقوف ضد أي قرار للمنظمة يتناول شيئاً من الخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية للشعوب ، باعتبار ذلك خارج نطاق مهام المنظمة ومسئولياتها ، مما قد ينتج عنه تداعيات سياسية واجتماعية لا تحمد عقباها .

       كما يجب على الأمة الإسلامية بشعوبها وحكامها أن يقفوا صفاً واحداً - متعاونين ومتعاضدين - في وجه أي قرار يمسُّ ثوابتهم الدينية والعقدية ؛ إذ إن الأمة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون للتلاحم والتكاتف فيما بينها ، للخروج من أزماتها المتلاحقة والمتفاقمة ، التي تستهدف الأمة في كيانها الحضاري ، وتقصدها في أصولها الثقافية ، وتتعرض لها في مبدأ وأصل بقائها .