مقال شهر جمادى الأولى 1433هـ
غلو الشباب وتطرفهم- المشكلة والحل
أن التطرف الديني والغلو الذي ظهر على الساحة السياسية في السنوات الأخيرة يمكن حصر أسبابه ومقترحات علاجه في عدد من النقاط:
منها: ضعف الحضور الديني الصادق المعتدل بصورة عامة في واقع الحياة الإسلامية وأنشطتها المختلفة، وهذا يتطلب إعادة صبغ حياة المسلمين بالصبغة الشرعية الإسلامية قولاً وعملاً، وعد الاكتفاء بالمنادات الإسلامية دون واقع يصدقها .
ومنها: أيضا فقدان القدوة الصالحة والنموذج الواقعي في كثير من الآباء والمعلمين والعلماء، فلا يجد الشاب في المربين من يملأ عينه- إلا أن يكون شيئاً نادراً- فحين يقابل هؤلاء بعلماء السلف والمربين السابقين يجد الفرق الكبير بين الأجيال، وهذا يتطلب وعي المربين بأهمية القدوة في حياة الشباب، مما يدفعهم إلى الصدق في أقوالهم وأعمالهم، مع توعية الشباب أيضاً بضرورة الوعي والقناعة بأن القدوة الكاملة المطلوبة على نهج السلف تكاد تكون معدومة في هذه العصور المتأخرة، فقد توزَّعت القدوة في أكثر من فرد، فمن الصعوبة بمكان جمع الصفات الحسنة بكاملها في شخص واحد، كما كان الحال في جمع من السلف ، إلا أنه يمكن مشاهدة القدوة في جمع من المربين، تتكون من مجموعهم القدوة، فيقتدي الشباب من كل شخص من المربين فيما أحسن وبرز فيه ، ويغض الطرف عن جوانب ضموره وانهزاماته.
ومنها: بروز مفهوم العولمة وآثارها الخطيرة على هوية الأمة الإسلامية ، واندفاع العالم الإسلامي نحوها مسيَّراً مغلوباً، يقود شعوبه نحو الاستسلام للواقع، دون القيام بأي مشروع صادق للخروج من هذا المأزق الحضاري الخطير، فضعفت بالتالي ثقة الجماهير والشباب- على الخصوص- بغالب القيادات العربية والإسلامية للخروج من هذه الأزمة، وأصبح الرجاء في حلٍّ جديد مبتكر، على غير نمط الحلول الحالية، التي أثبت الواقع إخفاقها وقصورها عن مواجهة مأزق الأمة الحضاري المعاصر، فقد أصبح الناس أكثر استعداداً لقبول الآراء الجديدة، لاسيما إذا كان جريئة، تبعث في الجماهير الأمل .
ولاشك أن الواقع الأمة الحضاري المتخلف لا يمكن أن تحلَّه جماعة من الناس، أو دولة من الدول؛ وإنما هو قرار الأمة بأكملها، حين تتوجه بصدق نحو خلاصها من هذه الأزمة الحضارية الخانقة، معتمدة على الله أولاً بأخذ دينه بقوة، ثم على وحدتها السياسية وتعاونها الاقتصادي، ولئن كان هذا أملاً بعيداً في ظل طبيعة المعطيات السياسية والاقتصادية المعاصرة، إلا أنه المخرج الوحيد للخلاص من هذه الأزمة، وإعادة الثقة إلى القيادات العربية والإسلامية.
ومنها: بروز الهيمنة الغربية وظهور القطب الواحد في إدارة الحياة السياسية المعاصرة، وخضوع العالم لإرادتها طوعاً أو كرهاً، مما دفع بعضهم – ممن يُتَّهمون بالغلو والتطرف– لمحاولة النيل منها، ولو باليسير الذي يزعجها ويزعج حلفاءها.
إن هذه القوى الغربية المتنامية في حاجة إلى قوة أخرى في العالم تقابلها، وتحدُّ من نفوذها المتزايد، فإذا لم تكن قوة إسلامية فعلى الأقل أن تكون قوة معارضة لها، تحد شيئاً من انطلاقها وتسلطها على المسلمين؛ بحيث تعمل الأمة المسلمة على إظهار هذه القوة لكف الغرب عن تسلُّطهم حين لا يستطيعون هم أن يكونوا قوة، وهذا الوضع لا شك يخفف كثيراً من النقمة الشعبية العربية والإسلامية التي لم تعد تثق في الأصوات والشعارات القديمة، وأصبحت أكثر تعلقاً بالجديد من القوى المعارضة للتسلط الغربي.
ومنها أيضاً: الجهل بمفاهيم الدين ولاسيما في القضايا الشائكة والحرجة مثل قضايا التكفير, والحكم بغير ما أنزل الله، والخروج على الحاكم الجائر، ونحوها من المسائل الفقهية الصعبة، التي تحتاج إلى الفهم الدقيق والبحث العلمي العميق، وهذا النوع من البحث المتعمق يكاد يكون مفقوداً كلياً أو جزئياً لدى غالب الشباب ؛ إذ يغلب على أكثرهم السطحية العلمية، والتعلق بمفاهيم محدودة لا ترقى إلى حد يجيز لصاحبها التمسك بها، والموت في سبيلها.
وهذا الوضع العلمي المتدني يتطلب بالضرورة إشاعة العلم النافع، والفهم الصحيح بالكتاب والسنة ومذاهب العلماء في هذه القضايا الكبرى، مما يفرض بالضرورة نزول بعض العلماء إلى الساحة العامة، خاصة الساحات الشبابية ؛ لتولى – بصورة مباشرة – عملية التربية والتعليم, والعيش في أوساط الشباب والقرب منهم.
ومنها: ما تقوم به غالب وسائل الإعلام من الأدوار الخطيرة في إثارة حفيظة الشباب المتدين، من خلال ما تبثه من البرامج والأفلام والمسلسلات الساقطة، والغناء الفاحش، والصور الخليعة، والقصص السخيفة، إضافة إلى السخرية والاستهزاء بالدين، مع ما تبثه من التقارير الإخبارية، والتحليلات السياسية المستفزة لمشاعر الشباب المتدين، في الوقت الذي قد لا يجد الإعلام الهادف سبيله إلى هذه الوسائل، وهذا الوضع يتطلب إعادة النظر في واقع هذه الوسائل الإعلامية في ضوء المفاهيم التربوية الإسلامية، والخروج بأفكار صالحة توجِّه العملية الإعلامية توجيهاً يتوافق مع منهج الإسلام، وفى الوقت نفسه يكون مشوقاً وهادفاً ونافعاً وصادقاً.
ومن الضروري محاولة فهم طبيعة الشباب المتدين وكيف يفكر, وهذا لا يكون إلا من شخصية إسلامية خاضت التجربة الدينية، وعاشت تفاعلاتها الروحية بكل أبعادها، وليس من شخصية حظها من التدين مجرد القراءة أو التأمل ؛ إذ إن التعبير عن التجربة الدينية لا يمكن أن يفصح عنها إلا من عاشها على الحقيقة، وليس مجرد من درسها أو قرأ عنها يمكنه التعبير عنها بدقة .
وإن من المهم- في هذا الشأن- قيام المؤسسات الدينية بواجباتها المناطة بها، مثل: التعليم، والدعوة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والإرشاد، والفتوى، ونحوها من القضايا الدينية بصورة أكثر فعالية وحضارية؛ بحيث لا يشعر المواطن أو الشاب بحاجة هذه المؤسسات إلى مساعدة، أو ربما الاعتقاد بقصورها وانتهاء دورها، مما قد يدفع المتهور إلى التصدي بنفسه لهذه المهام، والقيام نيابة عنها بوظائفها ، مع ضرورة فتح قنوات اتصال هادفة بين المواطن والمسئول، يتبادلان فيها النظر والمشورة عبر وسائل الاتصال المختلفة، ومحاولة إظهار نموذج الإنسان الصالح المتدين القائم بالحقوق, وإبرازه باعتباره قدوة للشباب، في الوقت الذي يؤخر فيه نموذج الإنسان المنفلت، فلا يُبرز ولا يتصدر .
ومن القضايا المهمة أيضاً: الوعي بحجم القوى النفسية والثبات التي يتحلى بها الشخص المتطرف، إلى درجة يصعب معها تغيير اتجاهه بالقوة والعنف، مما يتطلب تلمس الوسائل السلمية الصالحة لتوجيهه, وتفريغ طاقته في اتجاهات تخدم الأمة ولا تهدمها .
إضافة إلى السعي لفتح جبهة مع العدو الصهيوني على أرض فلسطين، تفرغ نقمة الأمة تجاهه, وتستهلك طاقات الشباب الغضبية في الاتجاه الصحيح, وتسمح – في الوقت نفسه – بساحة للتفاوض مع قوى الغرب بصورة أفضل، ولعل نموذج حزب الله في جنوب لبنان – مع التحفظ على مضمونه الفكري والعقدي– وثبات المقاومة الفلسطينية في غزة: يدل على إمكانية الضغط على القوى الغربية، من خلال العمل العسكري الموجه نحو العدو الصهيوني، مع ما يحتف بهذا المقترح من صعوبات ومشاق، إلا أنه يبقى الأفضل لتنفيس الضغط الاجتماعي، وتوازن القوى السياسية.
ومن المهم أيضاً العمل بجد نحو إشغال الشباب بالمهن والوظائف والأنشطة الهادفة بأنواعها، والسعي في تأهيلهم تأهيلاً مبكراً للحياة الاجتماعية ؛ بحيث يدخل الشباب ضمن مجتمع الكبار مبكراً، ويتأهل للعمل والوظيفة والزواج بصورة لا تسمح له بفراغ يفسد عليه فكره أو خلقه، مع ضرورة إعادة تأهيل الشباب المتطرف من جديد، والعفو عمن ثبت صلاحه وتوبته، ومحاولة إضافة فقه الواقع وأحكام الجهاد في ضوء الكتاب والسنة ضمن المنهج المدرسي، بما يوضح للنشء الفقه الصحيح للنظر في واقع الأمة وظروفها المعاصرة، والواجب تجاهها.