مراتب الأخلاق الإسلامية

مقال شهر جمادى الأولى 1432هـ

 

مراتب الأخلاق الإسلامية


              الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ... ، فإن المتأمل في هذا الحديث الشريف ، الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) ، فعلى الرغم من الإيجاز في ألفاظ هذا الحديث ، إلا أنه شامل في معانيه ، واسع في استيعابه ، يجده المتأمل حديثاً عظيماً ، يحمل محكاً قوياً ، ومعياراً دقيقاً لصدق الانتساب إلى الإسلام ؛ فالإسلام ليس مجرد دعوى يدعيها المرء ، أو انتساب قومي ينتسب إليه الإنسان ، وإنما هو سلوك واقعي ، ونهج عملي ، يجمع بين العقيدة المستقرة في القلب من جهة ، والسلوك العملي الواقعي من جهة أخرى ؛ فلا انفصام ولا تباعد بينهما ، ولا تقاطع ولا تنافر بينهما ، وإنما هو التناغم والانسجام والتوافق ؛ فالإسلام يربط برباط وثيق غليظ بين ما وقر في القلب من المعتقدات الغيبية ، وبين ما يجري على الجوارح من السلوكيات الأخلاقية .

         ولننظر إلى هذا الحديث الآخر : كيف ترتبط – في مفهوم الإسلام -  العقيدة بالسلوك ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) ، ثم لنتأمل : كيف تحولت عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر - وهي من القضايا القلبية الغيبية - إلى سلوك أخلاقي عملي ، يمكن مشاهدته والشعور به في الواقع الاجتماعي ، يتضمن كف الأذى عن الجار ، وإكرام الضيف ، وإيثار الصمت على القول الباطل .

          وقد يتساءل بعض الناس : هل المسلم ملزم بممارسة جميع الأخلاق الإسلامية ؟ بمعنى : هل يجب عليه أن يحياها جميعاً بدرجة عالية ؟ والجواب : أن المسلم ملزم بالحد الأدنى من الأخلاق الواجبة على الأقل ، وما زاد على ذلك فهو فضل وثواب ؛ فأعلى الأخلاق الإيثار ، وأدناها كف الأذى ، وبينهما العديد من المراتب الخلقية ، فقد يعذر المسلم بتركه الإيثار ، وقد يعذر بتركه الشجاعة ، وقد يعذر بترك الكرم ، ولكنه لا يعذر أبداً بتركه الكف عن الأذى ، فهذه أدنى المراتب الخلقية التي تلزم المسلم ، فلا بد أن يكون عند كل واحد من المسلمين بعينه القدر الكافي من القوة الأخلاقية ، التي تُلجمه عن أذى الآخرين ، وتكفه عن الإضرار بغيره ، وإلا كان آثماً .

         وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم    ( على كل مسلم صدقة ، قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق , قالوا : فإن لم يستطع ، أو لم يفعل ؟ قال : فيعين ذا الحاجة الملهوف ، قالوا : فإن لم يفعل ؟ قال : فليأمر بالخير ، أو قال : بالمعروف ، قال : فإن لم يفعل ؟ قال : فليمسك عن الشر فإنه له صدقة ) ، وهذه أقل مراتب السلوك الخلقي ، التي لا يعذر المسلم بتركها ، أو التقصير فيها .

           للناظر أن يتخيل حجم الخير الذي سوف يشيع في المجتمع ، والسلام الاجتماعي الذي سوف يغشاه لو التزم المسلمون بمقتضى هذا الحديث العظيم في أدنى مراتبه ، بل كيف لو التزم المسلمون بأعلى مراتب الأخلاق ، ومارسوها بالفعل في واقع حياتهم ، فما حال المجتمع حينئذٍ ، وما حجم السعادة التي سوف يتمتع بها الناس ؟