1-لقد تأخر العالم في وضع الطفل موضع الاهتمام ، فقد كان إلى عهد قريب عنصراً اجتماعياً مهملاً، ولم تتوجه الأنظار إلى الطفولة وحاجاتها ومعاناتها إلا في القرن العشرين تقريباً، ومع ذلك لم يقدم للطفل الشيء الكثير مما يستحق من الرعاية والاهتمام.
والطفل السعودي والعربي عموماً عضو في هذا العالم القاسي الذي لا يعترف إلا بالأقوياء حين يغيب عن الحياة الإنسانية الظل الإيماني، فيقوم مقامه العنف والظلم والاضطهاد، الذي ينحط، أشد ما ينحط على فئات المجتمع الضعيفة كالنساء والأطفال ، ولهذا يكون الأطفال والنساء أول وأكثر الخاسرين في ظل الصراعات والنزاعات الدولية، والمجاعات والأزمات الاقتصادية .
وعلى الرغم من الرعاية التي بدأت تتوجه نحو الطفل السعودي، فإنه في حاجة إلى مزيد من الرعاية لتستوعب الجميع، وتتلمس الحاجات، وتكتشف مبكراً الموهبة ، وتستوعب بصورة كاملة الطاقة المتوقدة.
2-ولعل الأمر الإيجابي الذي تسعد به النفس هو انتشار التعليم النظامي ليصل إلى جميع الأطفال في سن المدرسة، فهذه نعمة كبيرة ينعم بها الطفل السعودي ويشكرها المجتمع.
وأما الأمر السلبي فهذا الانفتاح الثقافي غير المنضبط الذي ينحط بثقله العقائدي والفكري والخلقي على شخصية الطفل ليهدم ما تبنيه الأسرة والمدرسة من القيم والمبادئ الإسلامية، وهو تقصير ولا شك يتحمله الجميع حين أهملوا صناعة البدائل الإسلامية المشروعة، التي تغني عن الثقافة الوافدة المشبوهة.
3-لقد طال الإخفاق جميع مؤسسات المجتمع المسلم بدرجات متفاوتة، بما فيها مؤسسات رعاية الطفولة، وحاجاتها، وتنمية مهاراتها، فالأسرة اقتصرت على مسؤولية الإنجاب والرعاية الصحية، والمدرسة انحصرت مسؤوليتها في هدف نقل المعلومة العلمية إلى الأذهان دون التربية عليها، والوسائل الإعلامية انشغلت بنقل ثقافة الآخر دون تمييز، وانهمك الشارع العام في التناقضات بين المفاهيم الإسلامية والسلوك الواقعي، وتُرك الطفل وسط هذه المؤسسات الاجتماعية المخفقة ليحل وحده ألغازها المحيرة، ويصلح انحرافاتها الكثيرة، وينتقي بخبرته القاصرة النافع منها، ويرد السقيم، ويكتفي بالمعلومة التي يتلقاها من الآباء والمعلمين دون التربية عليها من خلال الوسائل التربوية الصحيحة ، لتكون حجة المجتمع عليه.
4-إن من أهم ما يحتاجه المجتمع المعاصر من طفل المستقبل هو الإبداع في مجالات الحياة المختلفة، ليكون أداة فعالة تخرج الأمة من أزماتها الحضارية المعاصرة، فإن كثيراً من الابتكارات الإبداعية في مجالات الحياة المختلفة تقوم على أفراد قلائل، تخرج الأمة من أزماتها بناء على جهودهم المثمرة، وشخصية من هذا النوع تحتاج إلى طفولة متفوقة، وبناء صالح تشترك فيه جميع مؤسسات المجتمع.
والواقع المعاصر في ظل العولمة الاقتصادية والسياسية لا يسمح بالحياة الشريفة لغير المتفوقين، ولا يترك مجالاً لغير المبدعين، فلا بد لطفل المستقبل من المعارف النافعة بكل أنواعها والمهارات المتفوقة بكل أصنافها، ليتمكن من العيش بين الأقوياء المتنافسين، فضلاً عن تجاوزهم والتفوق عليهم.
5-لا يشك أحد في التأثير السلبي لوسائل الاتصال التقنية على شخصية الطفل، ولا يشك أحد أيضاً في أهمية التربية المدرسية، بنظامها ومناهجها وهيئتها التعليمية، ولا ينكر أحد أيضاً دور الشارع العام، وتأثير الرفاق، إلا أنه مع كل هذا يبقى التأثير الأكبر -كما هو مفروض- والأثر الأعظم للأسرة في ثقافة الطفل، فإن ما ينقشه الآباء بالوسائل التربوية الصحيحة في نفوس أولادهم لا بد أن يبقى جذوة متوقدة في نفوسهم، وقد تخبو إلا أنها لا تنطفئ، وبقدر ما يكون البناء السري لشخصية الطفل قوياً يكون التأثير السلبي للمؤسسات الأخرى أضعف وأخفت.
6-كثيراً ما يرتبط بروز الأفراد دولياً بتفوق البلاد التي ينتمون إليها من الجهة الاقتصادية والسياسية، وبحجم البرامج العلمية والثقافية الموجهة إليهم، إضافة إلى توافر البيئات الاجتماعية والتعليمية ، وأساليب الرعاية والاحتضان والتبني التي تنهض بالقدرات، وتساعد على التفوق، وبالتالي تدفع نحو البروز في المجتمع الدولي بصورة واسعة ومتميزة، وهذه العناصر مهمة في بروز الأفراد الكبار على المستوى الدولي، فضلاً عن بروز الأطفال الصغار وتفوقهم عالمياً، ولهذا يضعف الحضور الدولي للطفل العربي والمسلم عموماً، بما في ذلك الطفل السعودي، مقابلة بحضور أطفال الدول المتقدمة، من جهة درجة التفوق، ومن جهة سعته وأعداده، وليس ذلك من قصور في الطبيعية البشرية، بقدر ما هو قصور في مؤسسات المجتمع المساهمة في بناء الطفل ورعايته.