الأساس الأخوي في بناء المجتمع الإسلامي
( مشروع مقترح )
المقدمة :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على خير خلق الله ، نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد فإن بناء المجتمع القوي الجوانب ، والمتماسك الأطراف : هدف ضروري لبناء الأمة القوية المتماسكة ، فبقدر تماسك لبنات المجتمع ، وترابط جنباته : يكون حجم بناء الأمة وقوة تماسكها .
ولقد سدَّد الوحي المبارك نبي الهدى – صلى الله عليه وسلم – في بناء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بعد الهجرة ، وأرشده إلى أسس بناء الأمة ؛ فكان المسجد هو الأساس الأول في بناء الأمة ، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت هي الأساس الثاني ، وكانت مواثيق المعاهدة مع يهود المدينة هي الأساس الثالث لهذا البناء .
ولئن كان المسجد ضرورة للبناء الروحي ، والمعاهدة - هي الأخرى - ضرورية لإحكام النظام السياسي ومعرفة الحقوق ؛ فإن المؤاخاة بين المؤمنين ، وربط بعضهم ببعض ، بحزم من العلاقات الروحية والاقتصادية والاجتماعية ، التي عملت في مجموعها على صهر المؤمنين في نسيج اجتماعي واحد ، قد ذابت فيه الفوارق الاجتماعية والطبقية ، وانتفت فيه المصالح الشخصية والمادية ، وسقطت فيه الشعارات الجاهلية والعصبية ، وعلت مكانها مصالح الدين والأمة ، وارتفعت المعاني الأخلاقية والروحية ، وسمت النفوس متطلِّعة نحو الأهداف العليا والكبرى لهذا الدين ، هذه المؤاخاة - كانت ولا تزال في كل عصر - رصيد الأمة وزادها في مسيرها الدعوي ، ودرعها الواقي من آفات الطريق ، وحصنها المكين الذي تأوي إليه في الملمات ، فالأخوة رابطة المجتمع وأداة تماسكه ، كرباط البنيان الذي يشد بعضه إلى بعض ، وبغيرها تنحل أوصال المجتمع وتتفكك ، كما يتفكك البنيان إذا ذاب رباطه أو ضعف .
وللمتأمل البصير أن يشاهد الآثار المدمرة لانحلال الروابط الأخوية وضعفها في المجتمع المعاصر ، وتراخي قواها عن الإمساك بأطراف المجتمع ، وضم بعضه إلى بعض، وحفظه من أسباب التفكك والانهيار ، فقد عانى مجتمع اليوم من الحرمان الأخوي ، وفقدَ آثاره النفسية والروحية ، التي تُشبع خلَّة النفس وحاجتها إلى الركون الأخوي ، الذي تسكن به النفس ولا تضطرب ، وتطمئن تجاه الآخرين ولا تتوجَّس ، وتذهب عنها وحشة الانفراد المؤلمة ، ويزول عنها الشك المقلق ، الذي يخلِّفه الجفاف الاجتماعي .
ولهذا كان البناء الأخوي أولوية ضرورية لا تحتمل التأخير في بناء مجتمع المدينة بعد الهجرة النبوية ، فهي من أوائل الإنجازات النبوية ؛ فقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم على إذكائها وإثرائها بالمعاني الجميلة ، والتوجيهات المشجِّعة ، التي دفعت الصحابة رضوان الله عليهم إلى التنافس العجيب في ترجمة التوجيهات القرآنية والنبوية في صور من السلوكيات البشرية النادرة التي يصعب تكرارها ، فقد دارت بين قمَّتي الإيثار والتعفف ، بين جماعة من الناس لم تبعد كثيراً عن عصر الجاهلية ، ومع ذلك تجاوزت آثارها بمراحل ، وتخطَّت مفاهيمها بأشواط ، حتى غدا مجتمع المدينة الجديد أمة واحدة في فترة زمنية قياسية ، تجاوز فيها المهاجرون أزماتهم : النفسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وانصهروا جميعاً مع الأنصار في قالب الإسلام العام ، الذي شكَّلهم وَفق مفهومه عن طبيعة المجتمع المسلم ، فأخرجت هذه الأخوة الإسلامية بين المتآخين من الصحابة ثمارها الروحية والنفسية والاقتصادية ، ثم يُنسخ منها حكم التوارث المالي بين الأخوين في الله ؛ فألو الأرحام أولى بذلك .
من هنا ، ومن هذا المنطلق الضروري في بناء المجتمع : كان من اللازم إعادة إحياء الأساس الأخوي بين المسلمين ؛ ليكون زاد المسلم المعاصر في عصر العولمة ، والجفاف الروحي ، والتوتر الاجتماعي ، من خلال اتخاذ آليات ووسائل عملية مشروعة ، تكفل ربط اثنين برباط الأخوة الإسلامية ، يكون بينهم من التآخي ، والتكاشف ، والتعاون ، والتناصح ، ما يحيي مفهوم الأخوة الإسلامية ، التي أمرت بها الرسالة الخاتمة ، وأرسى قواعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطبقها الصحابة الكرام عليهم رضوان الله تعالى .
الهدف :
إحياء الأساس الأخوي الذي أسس عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية الأولى ، باعتباره قاعدة البناء الاجتماعي ، وذلك ضمن طبيعة ظروف الحياة المعاصرة ، بمتغيراتها المتنوعة ، وشعبها الكثيرة .
الأهمية :
الأخوة بين المؤمنين ضرورة إسلامية ، وحاجة واقعية ، وقيمة اجتماعية ، لها موضعها الخاص في الطبيعة الإنسانية ، لا يتصور إهمالها ، أو العدول عنها ؛ إذ لا يقوم مقامها شيء من أنواع العلاقات الاجتماعية الأخرى ، فهي علاقة إنسانية قائمة بذاتها، لها طبيعتها الاجتماعية الخاصة ، ولها شروطها الشرعية ، إضافة إلى كونها أولوية دينية، بدأ بها سيد المرسلين ، وقدوة السالكين عليه الصلاة والسلام .
كما أن انعقاد رابطة الأخوة بين اثنين في الله تعالى حري بأن تكون سبباً في إصلاحهما معاً ؛ فكلاهما لا يألو جهداً في نصح صاحبه ، وإعانته على الخير ، فيتقوى كل منهما بصاحبه ، إضافة إلى اعتبار هذه الرابطة الأخوية الشريفة مدخل المجتمع إلى هذين الأخوين ، للتأثير الإيجابي فيهما ، فكل منهما وسيلة إلى الآخر ، يتوسل بها المجتمع لمساعدة أحدهما ، وإعانته ونصحه عبر صاحبه ، فقد يضعف المسلم ، أو يصر على خطأ ، أو يحتاج إلى عون ، ويعجز المجتمع ، أو يُحرج عن مباشرة نصحه وإعانته : فتكون رابطة الأخوة بين الاثنين مدخل المجتمع إليهما ، بالنصح والعون والدعم .
التوصيف :
عقد أدبي أخلاقي ، يتم بين اثنين بموافقتهما واختيارهما ، يخول كل منهما الانفتاح الصادق على صاحبه ، والمكاشفة الكاملة بينهما ، فلا يستر أحدهما عن أخيه أمراً من شؤونه الخاصة أو العامة ، سلبية كانت أو إيجابية ، مفرحة كانت أو محزنة ، بحيث يبادر كل منهما صاحبه بأحواله ، مما يزعجه أو يسره ، بما يشمل الجوانب : الاجتماعية ، والنفسية ، والاقتصادية ، فلا يستر عنه شيئاً ، إلا ما نهت الشريعة عن إفشائه من الأخبار الشخصية الخاصة ، فإذا تمت لهما المكاشفة الصادقة : وجب عليهما – قبل كل شيء – حفظ أسرار بعضهما بعضاً ، فلا يفشي أحدهما خبر صاحبه لكائن من كان ، وتحت أي ظرف ، ثم يكون التناصح الصادق والمشفق بينهما ، المبني على التقوى وصدق المحبة في الله تعالى ، فيصبح كل منهما مرآة صادقة لأخيه ، تعكس له واقعه بأمانة ، وتدلُّه على حقائق نفسه بصدق ، فيضع كل منهما يد صاحبه على مكامن القوة فيه والضعف ، ويبين له مواضع الخطأ والصواب ، ويكشف له الحقائق التي غابت عنه ، ويرشده في كل ذلك إلى أفضل السبل ، وينصحه بإشفاق بما يرفعه في الدنيا والآخرة ، ويقدم له العون بكل أنواعه - حسب قدرته وإمكاناته - لبلوغ آماله ، وتحقيق طموحاته ، وحل مشكلاته ، وتخفيف معاناته ، على أن تبقى الأخوة العامة بين عموم المؤمنين قائمة ؛ فالأخوة الخاصة لا تلغي الأخوة العامة .
( راجع : مجموع الفتاوى 35/92- 98 )
التطبيق :
يتم عمل المشروع من خلال الخطوات الآتية :
1. بث فكرة المشروع في المجتمع ، والتسويق لها ، وحشد الأدلة الشرعية على جوازها ، وصحة العمل بها .
2. اختيار لجنة من المشاركين في المشروع لإدارة البرنامج ، ومتابعته ، وتقويمه .
3. توجيه الراغبين في الاستفادة من المشروع إلى اختيار إخوة لهم في الله بصورة مباشرة دون واسطة ، في ضوء المواصفات السابقة ، بحيث يختار كل واحد أخاً له ، ممن يثق به ، ويطمئن إليه ، ويأنس له ، ويشعر أنه يقابله بنفس المشاعر ، على أن يتم ذلك بكل حرية دون فرض أو توجيه ملزم .
4. إبرام عقد الأخوة الأدبي بين كل اثنين ، وإعلان ذلك لجميع المشاركين في المشروع .
5. تزويد المشاركين – بصورة دورية - بالمواد الثقافية التي تثري عقد الأخوة ، وتحيي مبادءها .
6. وضع آلية إدارية تعين اللجنة على متابعة الأعضاء ، وحل ما قد يقع بينهم من إشكالات .
7. تقويم أداء المشروع بصورة دورية وتطويره ، وإدخال التعديلات اللازمة عليه ، في ضوء التجربة الواقعية .
هذا والله تعالى الموفق