حوار حول كتاب :
(مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة)
( القسم الثاني من الحوار )
أجرى موقع رسالة المرأة هذا الحوار مع الدكتور عدنان باحارث حول كتابه : مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة :
5-يميل أغلب الكتاب في مجال التربية الإسلامية إلى الطرح التأصيلي لموضوعات تربية الطفل ، وهذا أمر ولا شك حسن لكنه يبعد بهم عن طابع الطرح العملي الذي يميل إليه القراء اليوم ، وهو الذي يغلب على كتب التربية المترجمة ، فهل من سبيل إلى الدمج بين الطريقتين لتكون كتب التربية الإسلامية أوجز مما هي عليه الآن وأقرب في الطرح من الأسلوب العملي ؟
الكتابة التربوية في الجانب النظري ، والتأصيل لها من المصادر والمراجع المعتبرة : ضرورة لا بد منها لأي فكرة بحثية ؛ لأن الجانب النظري لأي موضوع هو المنطلق والأساس لما بعده ، ولهذا لا تخلو دراسة ميدانية من مدخل نظري تؤسس عليه ، وربما اكتفت الدراسة بالحديث النظري التأصيلي ، وهذا الغالب على المؤلفات ؛ لأن الأبحاث النظرية يمكن أن تقوم بذاتها ، فلا تفتقر بالضرورة إلى الجانب العملي والميداني ، كافتقار الدراسات الميدانية للجانب النظري ، ومع ذلك فإن تجاوز الجانب النظري التأصيلي في الدراسات التربوية الإسلامية حاجة اجتماعية ملحة لا بد منها ، فما زال المربون يلحون على المتخصصين التربويين بتضمين أبحاثهم النظرية جوانب تطبيقية عملية ، تعينهم في ممارساتهم التربوية ، وهذه لا شك حاجة منطقية ، إلا أنه لا يصح إلزام جميع المتخصصين في التربية الإسلامية بمقترحات تطبيقية لدراساتهم النظرية ، فقد يعجز أكثرهم عن هذا ، وإنما يحصل هذا التكامل بين النظرية والتطبيق بالتعاون بين المنظِّرين والميدانيين ، من خلال ورش عمل تربوية جادة ، تُحيل الأفكار النظرية المؤصَّلة إلى مقترحات عملية تطبيقية ، وبهذا يتكامل العمل التربوي .
ثم لا بد أن يُترك للآباء والمعلمين ساحة للاجتهاد التربوي ، فليس من المنطق التربوي أن يصبح المربون مجرد مقلِّدة لمقترحات الكتاب التربويين العملية، بل لا بد من اجتهادهم الميداني ، بعد أن يكون قد تشبَّع أحدهم بالجانب النظري ، فينطلق ليجتهد في الجانب العملي ، لأن المربي في ميدانه التطبيقي يعاين ويرى ما لا يعاينه ولا يراه المنظِّر في مكتبه ، والتربية ليست قوالب في شكل واحد تصلح للجميع ، فأبناؤنا وبناتنا عوالم إنسانية متعددة ، تجمعهم طبائع كثيرة ، وكذلك تفرقهم طبائع أخرى كثيرة ، فلا بد من اجتهاد المربي الناصح .
6- كيف تنظرون إلى كتب التربية المترجمة ، وما هو موقف المربي المسلم منها ؟
لقد سبقنا التربويون الغربيون إلى ميادين التطبيق العملي لمبادئهم النظرية، فوضعوا من المؤلفات العملية ، والمقترحات التطبيقية ما هو كثير ، ولا يخلو جهدهم من فوائد تربوية ينتفع بها المربي المسلم ؛ فإن ساحات الاشتراك التربوية مع غيرنا كثيرة ، والحكمة ضالة المؤمن ، وهو أحق بها إن وجدها ، يلتقطها ولو كانت عند غير المسلم ، إلا أن هذا الميدان يفتقر إلى الأسلوب الصحيح للانتقاء ، فهو في حاجة إلى منهج راشد ، يأخذ الصالح المفيد ، ويدع الفاسد الرديء ، وقد خاض جمع كبير من الباحثين المسلمين الميدان التربوي الغربي ، قبل أن يتشبعوا من الفكرة التربوية الإسلامية فتورط كثير منهم في مزالق فكرية وسلوكية لا تصح ، وهذا ما يُلاحظ على كثير من الكتب التربوية المنشورة ، التي لم تنطلق من المنطلقات الإسلامية في النظرة إلى : الإنسان ، والكون ، والحياة ، حيث تورط أصحابها في كثير مما يخالف الاتجاه الإسلامي .
7- هل من نصيحة للآباء الغافلين الذين لا يكترثون بأبنائهم ، وليس لديهم أي استعداد للقيام بواجباتهم التربوية من أجل فلذات أكبادهم ؟
لا أجزم أن كلَّ أب يهمل تربية أولاده ، ويفرط في واجباته تجاههم أنهم بالضرورة يضلِّون طريقهم ، فقد يجعل الله تعالى سرَّ صلاحهم في أم مشفقة ، أو قريب صالح ، أو معلم بصير ، أو جار ناصح ، أو صديق صادق ، فكل هؤلاء يمكن أن يكون لهم أدوار إيجابية في صلاح الأولاد مع تقصير الأب ، والواقع المعاصر شاهد على ما هو أبعد من هذا ؛ فقد يصلح من الأبناء من لا سبيل لصلاحه ، ممن تهيأت الظروف لفساده ، وأعجب من هذا من يفسد من الأبناء وقد تهيأت الظروف لصلاحه ، فقدر الله غالب ، ولا رآدَّ لقضائه ، إلا أن الطبيعي من الخبرات الإنسانية المتواترة ، التي ألزمنا الله بها ، وكلَّفنا إياها : أن التناسب في غاية القوة بين مخرجات التربية وبين مدخلاتها ، إيجاباً وسلباً ، فالجهد التربوي الصالح معتبر في النتائج ، كما أن الواقع الفاسد معتبر – هو الآخر – في النتائج ، والواجب الشرعي المناط بالمربي هو تحسين المدخلات التربوية ، وإفراغ الوسع في ذلك ، وليس هو التقصير ، ثم الاعتماد على ما يخبِّئه القدر .
إن فساد الأبناء لا يقتصر ضرره على واقع الحياة ، بل يلحق الرجل بعد الممات ، فكل فساد وقع فيه الابن بسبب تفريط أبيه هو في صحيفته ، كما أن كل صلاح في الأبناء هو رصيد خير للآباء ، وليتخيل الأب ساعة قادمة عليه في قبره ، ينتظر فيها دعاء صادقاً خالصاً من ولد صالح مشفق ، يتذكَّر أباه من وقت لآخر في دعائه: ( رب غفر لي ولوالدي ) ، فلمثل هذا اليوم فليعمل الآباء .
8 - ختامية تهمس بها لكل أب وولي أمر وراع في بيته ..
أقول - ناصحاً نفسي أولاً – إن الطفل إذا بلغ سن التمييز يُدرك مدى التزام أهله بالتوجيهات والنصائح التي يأمرونه بها ، وإلى أي حدِّ تخالف أعمالُهم أقوالَهم ، فكثرة الكلام ، وتكرار النصح لا يجدي في التربية ، إذا لم يرافقه سلوك قويم من المربي ، يلتزم فيه الربط بين القول والعمل ، والقدوة السلوكية من الأب الصالح تؤثر غاية التأثير في الأبناء ، فلا يحتاج الأب معها إلى كثير كلام ، ولا إلى تكرار نصح .
والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ..