حوار حول كتاب :
(مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة)
( القسم الأول من الحوار )
أجرى موقع رسالة المرأة هذا الحوار مع الدكتور عدنان باحارث حول كتابه : مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة :
1- بعيداً عن موضوع الكتاب الذي هو محور حديثنا ، وبعد مرور 20 سنة على فكرة صارت بحثاً ، ثم هي الآن كتاب منشور ، أعيد طبعه للمرة العاشرة ، وما هذا إلا دليل على نجاح كبير حققه الكتاب ، عندما تتذكر ذلك ما هي أول عبارات تجول بخاطرك تود أن تقولها ؟
أقول قبل كل شيء : الحمد لله على نعمائه ، اللهم لولا توفيقك وعونك وتيسيرك ما تتحقق من آمالنا شيء ، فالفضل والمنة له وحده سبحانه ، والحقيقة أني لم أكن أتوقع للكتاب كل هذا النجاح ، ومع ذلك فقد كنت أشعر في داخل نفسي بأن مادة الكتاب جديدة ومثيرة ، وتأكدت من ذلك حين بارك لي الجهد المناقش الخارجي فضيلة الشيخ محمد قطب ، الذي قال لي قبل المناقشة بيوم واحد : (مبروك) ، وهذا ليس من عادة المناقشين للرسائل العلمية ، ثم ثناؤه العاطر على البحث في أثناء المناقشة مما اخجلني ، فقد قال فيما قال : ( البحث فوق ما كنت أتوقع، لا من بحث تكميلي ، بل من بحث أصلي تعطى عليه درجة الماجستير ) ، وقال أيضاً : ( أقدم تهنئتي للطالب على الجهد الذي بذله ، جهد صادق ، جهد علمي، مصدره ومنطلقه الكتاب والسنة ، وآراء السلف ، بهذا فهو بحث إسلامي أصيل ) ، لقد كان لهذه العبارات وقعها في نفسي ، وكانت حافراً لي لمزيد عمل لخدمة التربية الإسلامية ، لاسيما بعد أن طبع الكتاب طبعته الأولى ، واطلع عليه جمع من الفضلاء والباحثين المعروفين ، وثناؤهم عليه ، حتى إن بعضهم – ممن تنازل فضلاً منه وقرأ الكتاب - أخبرني أنه تفرغ له في سفره ، وآخر جعله في غرفة نومه حتى ختمه ، وثالث لم يتركه حتى أتى على آخره ، هذا في مجموعه كان ولا يزال حافزي للمزيد ، وهي الذكرى التي ترد على خاطري كلما تذكرت هذا الكتاب ، وأسأل الله تعالى القبول عنده .
2 -هل هناك موقف معين أو تجربة شخصية تكمن وراء الإتقان والبراعة البارزين في كل فصول الكتاب ومباحثه ؟
هذا الكتاب هو باكورة إنتاجي العلمي ؛ إذ لم يسبق لي أن نشرت شيئاً قبله، وكون الكتاب لقيَ رواجاً فهذا محض فضل من الله تعالى ، فقد وفقني سبحانه ، وسخَّرني تسخيراً لإنجاز هذا الكتاب ، فلم يكن لي همٌ إلا هو ، فقد كان في أول سنوات زواجي ، ولم أرزق حينها أولاداً ، فلم يكن ينازعني الوقت إلا عملي الإداري في الجامعة ، وحاجة أهلي ، وإمامة المسجد ، وكان نهجي العلمي هو محاولة الاطلاع على كل ما أمكن في الموضوع وما حوله بصورة استيعابية قدر الإمكان ، ولا أكتب حتى أستوفي غالب المادة العلمية ، وهذا من شأنه معرفة حجم المعلومات المتوافرة لكل فصل من فصول الدراسة ، مما يحقق التوازن في البحث ، وتجد كل فقرة حقها من المعلومات العلمية ، إضافة إلى أسلوب استخدام بطاقات البحث ، التي تمكن الباحث من التحكم في حركة المعلومات بالتقديم ، والتأخير ، والنقل ، والاسترجاع ، إضافة إلى سهولة عملية فرزها بصورة دقيقة ، وهي الطريقة التي لا يميل إليها غالب الباحثين ، فهم غالباً ما يجمعون المعلومات بأسلوب الملفات ، وربما كتبوا مباشرة من المراجع ، فيجمعون ويكتبون مرة واحدة ، وهؤلاء قد ينجزون أبحاثهم أسرع ، ولكن يفوتهم كثير من المعلومات اللاحقة ، فتتحكم فيهم المعلومات ، وتفرض نفسها عليهم أكثر من تحكمهم فيها ، وفرض أسلوبهم عليها ، وفرق كبير بين أن تكون المعلومات بكاملها أمام الباحث عند شروعه في الكتابة ، وبين أن ترد عليه المعلومة تلو الأخرى، مرة بعد مرة طوال فترة بحثه ، مما قد يسوق بعضهم إلا إهمال المعلومات الجديدة حتى لا تعكر عليه ما أنجزه ، وحتى الحاسب الآلي في هذا العصر – رغم العون الكبير الذي يقدمه للباحثين - لم يحل هذه المسألة العلمية بصورة جذرية ؛ إذ المعلومة في الأصل تحتاج إلى أن تُركَّب وتُبنى مع غيرها ضمن تناسق منطقي ، وليس مجرَّد أن تنزل بين غيرها من المعلومات،أو تخلط معها خلطاً، مما قد يضعف البحث ، أو يخل ببعض فقراته .
لقد أنجز هذا البحث في عام وستة أشهر تقريباً ، قبل أن يتوافر لدى الباحثين أجهزة الحاسب الآلي ، فضلاً عن الأقراص المدمجة ، والموسوعات الميسرة ، إضافة إلى قلَّة الأبحاث في هذا المجال ، مما احتاج إلى جهد مضاعف ، واطلاع أوسع ، وصبر على الكتب المطولة ، والفهارس القليلة المتاحة في نهايات الكتب .
3- ما هو أبرز هدف يود أن يحققه الكاتب من خلال كتابه : ( مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة ) ، ولماذا كان مصب الاهتمام ، وجل التركيز على دور الوالد ، وعلى مرحلة الطفولة على وجه التحديد ؟
هدف الكاتب هو إعادة التربية الإسلامية ومجالاتها وأهدافها ووسائلها إلى واقع المسلمين المعاصرين ، بحيث لا ينازعها في تربية الجيل منازع من التربيات الأخرى .
وأما التركيز على دور الأب دون الأم ، والذكر دون الأنثى ، والطفولة دون غيرها من المراحل ، فهذه التحديدات اقتضاها البحث العلمي ، وليس المقصود تقديم الأب على الأم في الأهمية ، أو تفضيل الذكر على الأنثى في التربية ، أو أن التربية في الطفولة تغني عن التربية في المراحل الأخرى ، فالكل مهم ، إلا أن الرسائل العلمية لا بد فيها من حدود لا تخرج عنها الدراسة ، ولا يدخل فيها ما ليس منها ، وذلك حتى لا تخرج الأبحاث عن حجمها الطبيعي ، وحتى يحاسب الباحث على التزامه بحدود بحثه ، وأيضاً حتى يُشبع الموضوع بحثاً واستقصاء ، فلو توسع البحث ، وشمل قضايا كثيرة : عجز الباحث عن أن يوفي كل قضية حقها من المعالجة العلمية المعتبرة ، ضمن رسالة محدودة ، وزمن محدود .
4- كيف تجد تأثير الهجمات الإلحادية والتيارات الفكرية المتنوعة على الآباء قبل الأبناء ، وعلى العلاقات الأسرية في المجتمع المسلم ؟
يتعرض المجتمع الإسلامي منذ وقت طويل لغزو فكري وخلقي كبير ، وهو ما حذَّر من آثاره المدمرة جمع كبير من المراقبين ، وقد استحكمت قبضة هذا الغزو على العالم الإسلامي بعد التفوق التقني لوسائل للاتصالات الحديثة ، وقد كان الآباء في فترة سابقة يخشون من الغزو الفكري والخلقي على أولادهم ، ويتخذون السبل الكفيلة لحمايتهم منه ، إلا أنه لم تعد وسائل الحماية السابقة تجدي مع تفوق وسائل الاتصال الحديثة ونفوذها في أعماقنا ، مما أثر بصورة كبيرة على أولادنا ، فلم نعد نستطيع كفَّ التأثيرات السلبية عنهم ، بل أصبح التأثير السلبي يطال كبارنا من الآباء والمربين ، ممن ظننا بهم الخير ، فأخذوا يتأثرون سلباً بهذه الوسائل ، فربما صدر عن بعضهم ما لا يصدق من السلوك المشين ، الذي ما كان يُعرف في السابق إلا من نوادر الشباب الأعزب المنحل ، ممن فقد التربية الأسرية ، ولم ينل نصيبه الكافي من التربية المدرسية ، وقد كشفت بعض التقارير الواقعية عن مواقف مخزية لآباء فقدوا مبادئ الأخلاق ، ولم يعد معهم من إنسانيتهم إلا الصورة الخارجية ، فأي تربية تصدر عن أمثال هؤلاء ؟ مما اتسع معه حجم الأزمة الخلقية والسلوكية في مجتمع اليوم ، وأصبح الإصلاح التربوي ضرورة للجميع : الآباء والأبناء ، وهذه ولا شك مهمة في غاية الضخامة والاتساع .