الإلحاح الغريزي

مقال شهر رمضان 1429هـ

 الإلحاح الغريزي


          إن غريرة حب البقاء : فطرة إنسانية ملحّة ، تدفع الناس دفعاً نحو أسباب البقاء ، وتحثّهم ـ بطبيعتها العنيفة ـ نحو استمرار الحياة الإنسانية دون انقطاع ، فتلحّ عليهم بدافع الشهوة المستلذَّة نحو قضاء الوطر لينعقد من ذلك الولد، الذي يعد ثمرة كلّ هذا التفاعل الإنساني ، والغاية الكبرى من تلاقي الجنسين، فكل مظاهر التفاعل والتداخل والصراع التي تسبق حصول النسل لا تعدو أن تكون مقدمات للحدث الإنساني الأكبر وهو اقتناص الولد .

          وهذه الغريزة الإنسانية العارمة يصعب بل يستحيل إلغاؤها ، أو تعطيلها ، أو تأجيلها ، فاللقاء بين الجنسين لابد حاصل ، ومياه الرجال سائرة إلى أرحام النساء ، سواء تم ذلك بطريق الزواج المشروع ، أو تم بالطرق غير المشروعة ، وسواء رضي المجتمع بذلك أم سخط.

          ولقد حلّت المجتمعات غير الإسلامية هذه المشكلة حين فتحت على الناس أبواب الإشباع الجنسي دون حدود ، فلم تغلق منها باباً سوى باب الاغتصاب والإكراه , وتركت للناس حرية التحايل فيما بينهم لقضاء شهواتهم , ونيل ملذاتهم الجنسية , حتى جاهروا بها في حياتهم العامة, وعبر وسائل إعلامهم المختلفة , يتحدّون بذلك الضمير والعقل الإنساني , والمبادئ والقيم الأخلاقية التي تنادي بها الأديان , دون نظر صحيح لعواقب الانحلال الخلقي .

          وفي هذا الخضم العارم من الإثارة الشهوانية الذي عم العالم : وقع المسلمون في الحرج ؛ فهم يتعرّضون كغيرهم للإثارة , ويشاهدون ويسمعون ما يُلهب الغريزة , في عصر لم يعد فيه مجال للعزلة الاجتماعية, إلا أنهم يختلفون عن غيرهم في كونهم ممنوعين شرعاً من إشباع غرائزهم بغير طريق الزواج المشروع ، الذي ضاقت سبله في هذا الزمان , وتعقدت وسائله , وقلّت أسبابه , رغم وفرة النساء والفتيات العازبات ـ الأبكار منهن والثيبات ـ حتى إن أعدادهن المتزايدة تشكّل أزمة اجتماعية , في مقابل أعداد كبيرة أخرى من الشباب الأعزب , والرجال الراغبين في التعدد , فقد حجز الشرع بين الفريقين بوخز الضمير الحي , وعنف الحدّ الشرعي , إضافة إلى الفضيحة الاجتماعية ، التي تحجز كثيراً من الناس عن الفواحش.

          وفي ظل هذه الظروف الاجتماعية الشاذة : وقف الفريقان المتعطّشان من الرجال والنساء على طرفي المجتمع , ينظر كلّ منهما إلى الآخر بحذر , والغريزة تُلحّ علهم بعنفها , وتدفعهم إلى التلاقي غير المشروع , فيسقط بعضهم بالفعل في حمئة الرذيلة تحت ضغط الفطرة , حتى إن أنواع الساقطين في الفاحشة من الفريقين يمثلون غالب فئات المجتمع بنسب مختلفة , مما يؤكد أن الدافع الغريزي أمر عارم يشمل الجميع , في حين بقي جمع من الفريقين : عصمهم الله بالتقوى , أو الحياء الفطري , أو الرهبة الاجتماعية من أن ينـزلقوا في مستنقع الفواحش , فرضوا لأنفسهم بالمسلك الصعب في نهج التعفّف , ومع ذلك لم يتجرّدوا من الدافع الفطري الملح , وإنما يتلمّسون الفرصة الاجتماعية المناسبة , التي يخرجون بها من أزماتهم الفطرية دون حرج اجتماعي , أو مذمّة شرعية , ومن هنا وبناء على هذه الحاجة الاجتماعية : ظهرت أنواع  من الأنكحة المستحدثة, قد فرّقتها الأسماء المتنوعة , وجمعتها ـ في الغالب ـ الغاية الواحدة المتمثلة في قضاء الوطر ضمن إطار مقبول اجتماعياً , وله ـ في الوقت نفسه ـ حظ من النظر الشرعي .

          إن الشريعة الإسلامية حين ضيّقت على الجنسين أبواب الحرام : فتحت لهما أبواب الحلال كأوسع ما يكون , فأمرت بالتيسير والتسهيل , ونهت عن التعسير والتضييق ، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز النكاح بنعلين ، وبملء كفّين من طعام , وبتعليم شيء من القرآن ؛ إذ إن مقصود الشارع حصول النكاح , وقضاء الوطر , واستمرار النسل , وأما هو دون ذلك لا يعدو أن يكون وسائل وأسباباً غير مقصودة لذاتها , وإنما شُرعت لما وراءها من المقاصد الكبرى .

          وأما الأنكحة المحدثة بمسمّياتها المختلفة ؛ مثل : المسيار , والمسفار , والمصياف .. ونحوها , فإن الشريعة الإسلامية تعتني بالمضامين أكثر بكثير من عنايتها بالعناوين والمسمّيات , فأيما نكاح ـ تحت أي مسمى ـ جمع شروط الصحة فهو صحيح , وأيما نكاح خلا من شرط من شروط الصحة فهو باطل , حتى وإن تسمّى بالمسمّيات الشرعية , ويمكن تصنيف شروط صحة النكاح إلى صنفين :

          الأول : الشروط الأساسية :

1 ـ قبول الزوجين البالغين بالنكاح دون إكراه .

2 ـ تولي الولي الشرعي لعقد النكاح بنفسه أو بالوكالة .

3 ـ حضور شاهدين عدلين .

4 ـ تقديم المهر ولو كان يسيراً .

5 ـ خلو العقد من شرط يفسده , مثل :تحديده بزمن معين , أو اشتراط عدم الوطء ونحوها .

          الثاني : الشروط الفرعية :

1 ـ مراعاة الكفاءة بين الزوجين .

2 ـ توثيق العقد لدى الجهات المختصة , لضمان حق المرأة والأولاد .

3 ـ إعلان النكاح وإخراجه عن حدّ السرّية .

4 ـ عدم التدليس في عيوب الزوجين .

5 ـ خُلوص النيّات من المقاصد المخالفة لظاهر العقد .