الشهوة الإلكترونية

الشهوة الإلكترونية

دخلت تقنية الاتصال المتفوقة، بوسائلها المختلفة صلب حياتنا المعاصرة، لتشاركنا في عمق خصوصياتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث يصعب أو يستحيل التخلي عنها، أو إقصائها، أو حتى إهمالها.

وعلى الرغم من الجدية والصرامة التي تعمل بها هذه الوسائل، وحجم الخدمة المتميّزة التي تقدّمها، فإن فئة من الناس تصرُّ على استخدامها وسائل للمتعة والترفيه فحسب ، تحقق من خلالها تسلية وتمضية للوقت، وإلى هذا الحد تبقى الممارسة الإلكترونية مقبولة، إلا أنها تصبح أزمة أخلاقية حينما تتخطى استخدامات هذه الوسائل خطوط المجتمع الحمراء، لتصبح وسيلة استمتاع عاطفي، يشبع أحدهم نهمته الشهوانية من خلال اختراق الحواجز والبوابات إلى الموضوعات الممنوعة ، والمواقع المشبوهة والساقطة.

ولقد سمحت التقنية الإلكترونية بإمكانية التواصل المباشر بين اثنين من خلال : الكتابة، والصوت، والصورة، بحيث تنتهي الخصوصية الشرعية، التي ألزمنا بها ديننا، لاسيما إذا كان التواصل الممنوع بين الجنسين حينما لا تكون بينهم محرمية، تحت غطاء موهم من :  التعارف، والتسلية، والزواج ونحوها، فيمضي المتواصلون من الجنسين فيما بينهم ساعات طويلة في تبادل الرسائل العاطفية، والعبارات الغرامية، يزعمون أنها بريئة ! وهي في الحقيقة لا تعدو أن تكون متعة عاطفية إلكترونية، سمحت بها طبيعة تقنية الاتصالات الحديثة.

وكم شُوهد في المجتمع من أشخاص كانوا في أول الأمر من الأسوياء ، بل ربما كانوا من القدوات الاجتماعية المحترمة ، فما لبثوا طويلاً - بعد خوضهم التجربة الإلكترونية مع الجنس الآخر- أن عادوا مراهقين متشبّبين ، يظنّ أحدهم أن مسالك الزلل تعيد إليه شبابه ، وما عرف أنه مفتون .

إن المتأمل لا ينكر وجود شيء من المصالح التي قد تفضي إلى الزواج الشرعي، إلا أن مفسدة التواصل بين الجنسين في عصر قلَّت فيه التقوى: أكبر بكثير من مجرد مصلحة محدودة، أوربما متوهَّمة في الغالب.

      إن الزواج الإسلامي لا يقف تحقيقه على الاتصال بين الجنسين؛ بحيث يتحقق من خلال الاختلاط والتعارف بينهما، فهذه دول العالم من حولنا عمَّ فيها الاختلاط والحرية الكاملة بين الجنسين، ومع ذلك تتأخر عندهم نسب عقود النكاح، وتكثر فيهم الجرائم الجنسية، وإنما يقف تحقيق الزواج في المجتمع على أمرين اثنين ، الأول: الرغبة الصادقة في الزواج، والثاني: تيسير مئونته.

لقد مرت على حياة المسلمين الاجتماعية فترات سابقة تحقق فيها الزواج بصورة قد تصل إلى 100% ، بحيث لا يعرف المجتمع أزمات العنوسة، ولا مشكلة تأخير الزواج، رغم قيام الحجاب الشرعي الكامل، وقلَّة فرص الاحتكاك بين الجنسين، وقد شهد بذلك المفكر الغربي " لايتنر"، الذي عاش أكثر من نصف قرن بين المسلمين، حتى نهاية عام 1902م، حيث يقول: "وتكاد لا ترى امرأة غير متزوجة... وليس في بلاد المسلمين محلات للفاجرات، ولا قانون يبيح انتشار المومسات" ، فليتأمل هذه الحقيقة التاريخية دعاة الاختلاط ، والمشجّعون للتعارف البريء بين الجنسين !