الغيــرة الـقـاتلـة

   الغيرة، والتنافس، والتحاسد، ونحوها من المترادفات في مضامينها تعني محبة الذات ، والرغبة الجامحة في الاستحواذ على النعم دون الآخرين ، كلّ ذلك يكاد يكون عاما في الحياة الإنسانية ، لا يسلم من هذه المشاعر المقلقة والمزعجة إلا القليل ، وإنما تأتي المؤاخذة الشرعية حينما تدفع هذه المشاعر صاحبها إلى الإضرار بالآخرين , وإلحاق الأذى بهم ، حين يرى النعمة على الآخرين نقمة عليه ، فلا تسكن نفسه ، ولا يهدأ روعه حتى تزول هذه النعمة عن أصحابها .

 

   وهذا النوع من الناس يصعب إرضاؤه ؛ لأنه لا يرضى ولا يرتاح إلا بزوال النعمة عن أصـحابها ، كحال إبليس حين أبى السجود لآدم عليه السـلام ، وحال قابيل حين قتل أخاه هابيل , وخبر المرأة التي قتلت ضرّتها بعمود ، زمن النبي صلى الله عليه وسلّم ، وهذه أشد أنواع الغيرة , وهي الغير قاتلة .

 

   ومع هذا فإن التغاير بين الناس أمر طبيعي ، فما من أحد إلا ويقع شيء من ذلك في نفسه ، وربما كان سببا إيجابيا في المنافسة الشريفة ، كالتنافس في طلب علم ، أو إخراج صدقة ، أو إتقان صناعة ، أو تقديم خدمة ، أو نحوها من الميادين التنافسية الإيجابية , وإنما  الممنوع شرعا أن يعبّر الحاسد عن غيرته وحسده بفعل أو أقول يضر المحسود ، كأن يظلمه ، أو يطعن فيه ، أو يوشي به ونحوها من المسالك القبيحة ، أما إذا كتم الحسد في نفسه ، وتصبّر وتجلّد ، وضبط سلوكه ، فلعله يؤجر على ذلك ، وقد قال الحسن البصري رحمه الله : " ما من بني آدم أحد إلا وخلق معه الحسـد ، فمن لم يتجاوز ذلك بقول أو فعل لم يضره شيء ".

 

   وقد جاء التوجيه الرباني بلفت المؤمنين إلى التنافس الشريف في شأن الآخرة والعمل الـصالح ؛ فقال تعالى : ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) ، وأما في شأن الدنيا وزينتها ، فوجه سبحانه وتعالى إلى تجنّب التنافس فيها فقال : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) .

 

   وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا " ، وقال أيضا : " إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " ، وقال : " لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد " .