الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد فإن الله تعالى شرع لعباده المؤمنين النكاح ، وجعله سنة الأنبياء والمرسلين , به ينقضي الوطر , ويحصل السكن , وتستمر الحياة , جيلا بعد جيل , يخلف بعضهم بعضا .
ولقد جعل المولى عز وجل الحياة الزوجية من أعظم النعم التي امتن بها على عباده المؤمنين ، حين ألف بين قلوب الأزواج فسكنت نفوسهم ، وهدأت أعصابهم ، وحصل من ذلك السكون النفسي ، والاستقرار الأسري.
وإن من أعظم ما يثير النساء ، ويفسد مزاجهن ، ويعكّر صفو الحياة الزوجية : قرار الرجال بتعدد الزوجات ، فما أن يقرر الرجل الزواج بأخرى حتى تتحول حياة المرأة إلى حزن وآلام ، وربما إلى توترات وثورات انفعالية حادة ، قد تنتهي ـ في بعض الحالات ـ إلى أمراض مهلكة ، أو انهيارات أسرية ، ومن المعلوم أنه ومهـما صدر عن النساء ـ بسبب الغيرة ـ من سلوكيات غريبة وعنيفة : معفو عنه ـ في الغالب ـ لغلبة طبع الغيرة عليهن .
ولقد أباح الله للرجل المسلم خاصة أن يجمع أربعا من الحرائر في وقت واحد , وأن يتسرى بما شاء من الإماء , ضمن ضوابط شرعية تحكم تصرفاته , وتلزمه التقيد بها : ديانة وسلوكا .
ولما انتهى نظام الرق في هذا العصر : انحصرت رغبات الرجال في الحرائر من النسـاء , فقل الاختيار بالنسبة لهم , وزادت بالتالي تكاليف الجمع بين النساء الحرائر ؛ إذ لابد أن يتكلف للحرة مثل أختها , لتحقيق مبدأ العدل , مع مواجهة أزمات التغاير بين النسـاء , وخطورة انهدام البيوت , فـثقل بذلك الحمل على الرجال , في عصر قل فيه الدخل , وكثرت فيه النفقات , وتداخلت فيه الثقافات ، وتعرض المسلمون للأفكار دخيلة ، غيرت كثيرا من المفاهيم الإسلامية ؛ لذا فأحجم كثير من الرجال عن التعدد , رغم حاجتهم إليه , واكتفوا بالزوجة الواحدة على عنت ومعاناة , وربما نفّس بعضهم عن نفسه بالفساد, والخروج على حدود الشرع .
ثم مكث الناس على هذا الحال دهرا من الزمان ، حتى كثر العوانس من النساء , ووصلت الحالة الاجتماعية إلى حد الظاهرة الخطيرة التي تهدد المجتمع في دينه وأخلاقه , فظهر عندها زواج المسيار ، بما يحمله من ملاحـظات شرعية , ونواقص نفسية واجتماعية , يخفِّف عن الرجال المحتاجين عنت الاكتفاء بالزوجة الواحدة , فكان متنفسا يحمل الصبغة الشرعية , فخاض جمع من الرجال _ لا سيما من المتدينين_ هذه التجربة الغريبة عن المجتمع الإسـلامي , وكان من نتائجها التطبيقية ما كان , من الغرائب والعجائب , والمآسي والمظالم في كثير من الأحيان , إضافة إلى عمره القصير , ونهايته الأكيدة بالطلاق في غالب الحالات .
ومن الرجال من ترفع عن نكاح المسيار , ورضي بالمسلك الصعب , فضم الزوجتين والثلاثة وربما الأربع ، حسب العرف والعادة , فينفق عليهن ضمن حد استطاعته ، وربما أعانته إحداهن بمالها أو بيتها , إلا أنه يبقى نكاحا صحيحا لا ملحظ عليه , ومع ذلك فقد ظهر من هذا الأسلوب في التعدد صراعات أسرية ، وأزمات نفسية حادة ، كان غالبها يتمثل في معاناة الغيرة ، حيث تعـجز الزوجة ـ لاسيما الأولى ـ عن تحمل الضرة ، فإما أن تُـنهي معاناتها بالخلع ، أو تُمضي أيامها بالصراعات والمعارك التي لا حدود لها , ضمن سلوكيات صبيانية شائنة , أو ربما توجهت نحو ذاتها ، فتكبت آلامها في نفسها حتى تهلك صحتها , مما ينعكس سلبا على العائلة بأكملها , فتختل التربية الأسرية ، وتظهر على الأولاد سلوكيات غير مستحسنة .
إن المرأة بطبيعتها الفطرية قد تُعذر لشدة الوارد عليها من الغيرة , مما يزيد عن حدود طاقتها النفسية , ودرجة تحملها , لكن العذر يصعب قبوله من الرجل , ولا سيما المتدين , حين اقترنت به المرأة على أنه شخص صالح ، مؤهل لرعاية الحقوق الزوجية , والقيام بالرعاية الأسرية , فإذا به عند أول أزمة زوجية , أو خلاف عائلي : يتحول إلى شخص غريب ثائر متهور , لا علاقة له بالتدين , بل ربما كان مستعدا للتضحية بالزوجة والأولاد .
إن الشريعة الإسلامية المحكمة لم تفرض على الرجل ولا على المرأة البقاء ضمن حياة زوجية لا تروق لهما , فشرع للرجل الطلاق , وللمرأة الخلع , فإذا عزم الرجل على طلاق زوجته , بعد أن يكون قد استنفد كل وسائل الإصلاح , فإنه يوقع عليها الطلاق على السنة ، ويسرّحها بلطف مع متعة الطلاق , وأما المرأة فإن رغبت في الخلع , وأصرت عليه : فلا تُمنع منه ، ولا يحق للزوج الامتناع عن إجابتها إذا افتدت نفسها بشيء من المال , على أن يتم كل ذلك بلا عنف ولا توتر ، ضمن تفاهم وتشاور , فلا ينسـيان الفضل بينهما , يراعي كل منهما الحقوق المتبادلة ، لا سيما حق الصغار في الرعاية الوالدية , بحيث يتم ذلك في تسامح وإحسان ، دون ظلم وحرمان .