خصوصية المرأة المسلمة في عصر العولمة

    تعيش المجتمعات العربية والإسلامية حالة من التيه الفكري عن أصولها ومبادئها وقيمها؛ من جراء ضغط دولي عالمي عارم ، يستهدف نزع الجذور , وقلع الأصول للأمم المستضعفة ؛ لإعادة تشكيلها وصياغتها في قوالب جديدة موحدة , تخرج الإنسـان العالمي , الذي لا يتميز عن غيره بشيء من عقيدة أو سلوك ، إلا ما تفرضه الأصول الوراثية من الأشكال والألوان .

    ويبقى موضوع المرأة المسلمة – بما حباها الله تعالى ـ من خصوصيات شرعية وأخلاقية – مستعص على مثل هذه الصياغة الإنسانية العالمية , صامدا أمام تخريجات العولمة الثقافية , وضغوطها الدولية ؛ إذ لا تزال قضية المرأة المسلمة ـ بما تحمله من الخصوصية ـ محكا فاصلا , ومحورا رئيسا يقف في طريق خطط التغيير العالمية , التي تستهدف العالم الإسلامي ؛ إذ لا سبيل للتغيير الاجتماعي إلا بإدراج المرأة المسلمة ضمن البرامج والخطط , وما هذه المؤتمرات العالمية الخاصة بالمرأة والأسرة , إلا صورة من صور استهداف الخصوصية الشعوبية , واختراقا سافرا للسيادة الثقافية .

    لقد حفل الوحي المبارك ـ القرآن والسنة ـ بحديث مستفيض عن المرأة المسلمة , ودورها الأسري , ومسؤوليتها الاجتماعية , إضافة إلى خصوصيتها الشرعية , التي تميزها بطابعها الخاص , وتصبغها بلونها الفريد , لترتفع بها عن المستنقع الجاهلي إلى السمو , وترقى بها عن الدنايا إلى المعالي , في جمع من النصوص الشرعية الملزمة للأمة جماعات وأفرادا , من خالفها فسق , ومن أنكرها كفر , فأين هذا الوضع الإسلامي الملزم من وضع الأنظمة الجاهلية المعاصرة , التي لا تمكن المرأة من حقها إلا من خلال صناديق الاقتراع , والمظاهرات الاحتجاجية , ومواقف الاعتصام في الطرق والميادين العامة.

    إن المشكلة التي تعاني منها الأمة الإسلامية المعاصرة هي ضغط العولمة الثقافي الشديد والمتلاحق , الذي لا يسمع للأمة بأخذ أنفاسها , لمراجعة ما عندها , ومحاولة الانطلاق من تراثها , وإنما تُقدم لها – لتحسين أوضاعها- مقترحات جاهزة للتطبيق , يزعم من يقدمها أنها نصائح إنسانية خالصة , تصلح للإنسان في جميع المجتمعات , ولا تتعارض مع الخصوصيات الشعوبية .

     وعلى الرغم من تعارض هذه الفرية مع الحقيقة الواقعية : فإن الدول الكبرى المتسلطة يراعي بعضهم بعضا في خصوصياتهم الثقافية , ويفرضوا على الناس احترامها , حتى إن أحد رؤساء هذه الدول ترك قاعة الاجتماعات مغضبا , حين تحدث أحد أعضاء وفده بغير لغته الأم التي يعتزون بها !! فكيف بأمة الإسلام , التي تحمل منهجا ربانيا لا يقبل الشركة مع غيره في أي جزئية , فضلا عن أن يقبل ذلك في كلية ثقافة عامة ؟؟