طريقة تدريس مادة تفسير القرآن الكريم

مقال شهر صفر وربيع الأول 1442هـ

طريقة تدريس مادة تفسير القرآن الكريم 

التفسير هو البيان والكشف، وهو غير التأويل، وقد ذكر العلماء أقوالاً كثيرة في بيان معنى التفسير والتأويل، ولعل أجمعها ما ذكره الزركشي في معنى التفسير حيث قال: "التفسير علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحِكَمه واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ". وقال بعض العلماء في معنى التأويل: " نقل الكلام عن وضعه فيما يحتاج في إثباته إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، فهو مأخوذ من قولك: آل الشيء إلى كذا، أي صار إليه "، إلا أن المنقول عن السلف أنهم كانوا يستخدمون كلمة "التأويل" بمعنى التفسير، كما هو نهج الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره.

والحاجة إلى علم التفسير حاجة ملحة، فالقرآن الكريم كتاب معجز في جميع جوانبه، ومن إعجازه جمعه المعاني الدقيقة الكثيرة في الألفاظ الوجيزة، وهذا من كمال عظمته، لهذا يحتاج إلى التفسير لبيان هذه المعاني الخفية، وكذلك احتمال اللفظ لأكثر من معنى، فيحتاج إلى الترجيح وإلى غير ذلك. قال إياس بن معاوية: ( مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أولا يعلم، مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلاً، وليس عندهم مصباح، فتداخلهم لمجيء الكتاب روعة لا يدرون ما فيه، فإذا جاءهم الصباح عرفوا ما فيه ) ، وهذا تمثيل رائع يوضح أهمية علم التفسير، وضرورته لقارئ القرآن.

ويستدل الإمام الألوسي رحمه الله على شرف علم التفسير بشرف موضوعه فموضوعه هو كلام الله عز وجل، ومن هنا كانت عظمة مكانة هذا العلم وأهميته.

أهداف تدريس مادة التفسير:

يقصد من مادة التفسير الوصول بالمتعلم إلى أهداف وغايات من أهمها ما يلي:

1-سلامة الفهم لكتاب الله عز وجل، في ضوء قواعد اللغة العربية، وتفسير القرآن الكريم، وتفسيره في ضوء الحديث النبوي الشريف.

2-غرس الإيمان والاعتقاد الجازم بأن القرآن الكريم هو دستور الإنسان في هذا الوجود، ولن تصلح الإنسانية بغيره.

3-ربط معاني القرآن الكريم بأوضاع الحياة العملية وبباقي العلوم الإسلامية ليكمل للقارئ حسن تذوق آياته البينات.

4-تكوين القدرة على استخلاص واستنباط الأحكام والمعاني من آيات القرآن الكريم.

5-إظهار جوانب الإعجاز المختلفة في القرآن الكريم وذلك من الناحية العلمية والتربوية والأدبية.

6-تحقيق التأثر القلبي والوجداني لدى المتعلمين من خلال فهمهم لمعاني الآيات التي يتلونها.

التمهيد لدرس التفسير:

  لا بد للمعلم قبل دخوله في تدريس المادة المقررة أن يمهد لكل موضوع تمهيداً يناسبه. فالجزء من الآيات المطلوب تدريسها تختلف في موضوعاتها، فعلى ضوء هذا الاختلاف يختار المعلم ما يتناسب معها، وما يكون فيه من تجديد وتنويع للطلاب، فيمكنه - في بعض الأحيان - أن يعتبر أسباب نزول الآيات مدخلاً للموضوع خاصة إن كان فيها قصة تحكي سبب النزول. كما يمكنه أن يثير مشكلة حيوية يدركها التلاميذ، ويحاول من خلال الآيات حلها، كما يمكنه في بعض الأحيان أن يقدم للموضوع بمقدمة موجزة عن موضوع الآيات المراد شرحها. والمقصود هو التنويع وتهيئة أذهان ونفوس الطلاب للتلقي، وهنا يمكن اختيار أسلوب من أساليب التمهيد المذكورة في التلاوة، أو اختيار أسلوب آخر يناسب الموضوع.

  فعلى سبيل المثال سورة {عبس} فإن في أسباب نزولها مادة حية، ثرية بالمعلومات، والتوجيهات التربوية العظيمة، فيمكن أن تكون قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن أم مكتوم بداية لتفسير السورة. فيوضح المعلم من خلالها وحدة البشرية أمام هذا الدين، وأنه لا فضل لغني على فقير، ولا لأبيض على أسود، ولا لعربي على عجمي. بل الكل أمام هذا الدين سواء في حقوقهم بأن يعرفوا دين الله وأحكامه ومراداته من عباده.  

ويراعي المعلم من تمهيده، أنه يعلم طلابه هذه المادة ليوقظ فيهم الهمم، وينير لهم الطريق لفهم مراد الله عز وجل، محبباً إليهم القرآن الكريم، مشعلاً في صدورهم جذوة الحماس لأخذ هذا الدين بقوة وصبر، مشعراً إياهم أنه روح تحيى به القلوب وتستنير به العقول، وأنه هدايتهم إلى الله، وأنه منة الله عليهم، وأنه برحمته وفضله أنزله إليهم ليتدبروه، ويفهموه، ويعملوا بما جاء فيه.

وهنا لا بد أن تصاحب دراسة القرآن الكريم وتلاوته فرحة غامرة تطير بالمسلم إلى حيث شاء، فرحة أعظم من فرحته بأي شيء في الوجود، فالقرآن وما تضمنه من الأحكام والأوامر والعلوم هو الحياة الحقيقية، وبه تكون الفرحة العظمى، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَّرَحْمَةٌ للِمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57-58].

واقتصار المعلم على بيان المعاني من المفردات ونحوها، وتفسير الآيات بإيجاز بعيداً عن ربطها بالواقع، وبعيداً عن استشعار نعمة القرآن على البشرية يعد تقصيراً في واجبه تجاه التلاميذ.

خطوات تدريس مادة التفسير:

  يراعي المعلم قبل دخوله على طلابه أن يكون قد حضّر في دفتره درسه، وأن يكون قد راجع المادة من الكتاب المقرر ومن بعض الكتب الأخرى، وذلك ليتمكن من إثراء أذهان الطلاب بالمعلومات، إلى جانب إجابة أسئلتهم حول الموضوع، أو التي يمكن أن تكون خارجة عن حدود الكتاب المقرر.

  ويراعي الأستاذ قدر الإمكان الاستفادة من الوسائل التعليمية المتاحة، خاصة بالنسبة لطلاب المراحل الدراسية الأولى، فهم أقرب إلى الأمور المحسوسة منهم إلى المعاني المجردة، كما أن منهجه معهم في الدرس يعتمد على أسلوب الحركة والصوت، والتركيز على المعاني العامة، وكلما تقدمت السن بالطالب أصبحت قدرته على تذوق المعاني المجردة أكبر بحيث يمكنه أن يستغني عن كثير من الوسائل التعليمية والأسلوب الحسي الواقعي، فيتذوق ويفهم المعاني بالتعبير عنها بالكلام.

     ويشرع المعلم في إلقاء درسه - بعد أن يكون قد مهد لدرسه على ضوء ما تقدم في التمهيد - بأن يقرأ الآيات المراد تفسيرها بنفسه قراءة خاشعة متقنة. ثم يعطي الطلاب فرصة للقراءة إما جهرية أو سرية حسب ما يتوفر لديه من الوقت.

     وهنا يمكنه الدخول في شرح هذه الآيات، إما بأسلوب شرح كل آية على حده، أو بشرح مجموع الآيات التي تتضمن وحدة فكرية واحدة، أو يبدأ بذكر معاني الكلمات الصعبة والمفردات الغريبة. كما يمكنه أن يدخل إلى هذه الآيات عن طريق ذكر أسباب النزول، فإن كانت قصة ذكرها، وإن كانت موقفاً ذكره وتكلم عليه بما يفتح الله عليه به.

     كما يمكنه في المراحل المتقدمة أن يدخل إلى درسه عن طريق استثارة أذهان الطلاب بالأسئلة ومحاولة معرفة مفاهيمهم للآيات من خلال إطلاعهم عليها قبل الدرس، ومن خلال تمهيد المعلم لها. فإن لم يكن بهذا الأسلوب ولا بالآخر فإنه يمكن أن يستخدم الواقع المعاش فيضرب لهم الأمثال من الحياة والتي يعالجها النص القرآني فيكون مدخلاً جيداً للدرس.

     ويراعي المعلم في درسه الإخلاص لله، والرغبة الأكيدة في تعليم الطلاب، وإيصال المعلومات إليهم بكل أمانة مستخدماً في ذلك أسلوب الإقناع الفكري، وإلهاب الحماسة الدينية، والغيرة لحدود الله، بعيداً عن المذهبية والطائفية الممقوتة، مقتدياً ظاهراً وباطناً بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.

ثم يأخذ المعلم في شرح الآيات شرحاً مستوفياً جميع الجوانب، معتمداً على المقرر الدراسي وبعض كتب التفسير مراعياً البدء بالأفكار السهلة اليسيرة ثم التدرج إلى الأصعب فالأصعب، مراعياً أسلوب البدء بالكليات ثم الجزئيات، فإن الإنسان يدرك الكل أولاً ثم الجزء.

وفي نهاية درسه يتأكد من أن التلاميذ فهموا ما أراد إيصاله إليهم من المعلومات، وحصل لهم التأثر القلبي، والتدبر الذي هو لب تعلم القرآن الكريم، فيختم الدرس بموعظة تشمل جوانب الموضوع، ليتنبه الغافل، ويتذكر الناسي.

وهنا يمكن تلخيص خطوات سير الدرس في النقاط التالية:

1-كتابة النص على السبورة، أو على وسيلة أخرى، وتكون على يمين السبورة.

2-قراءة النص القرآني قراءة نموذجية من المعلم.

3-قراءة بعض الطلاب للنص قراءة جهرية.

4-قراءة جميع الطلاب للنص قراءة صامتة ( إذا سمح الوقت بذلك ).

5-استخراج الكلمات الصعبة وكتابة معانيها على السبورة.

6-الشرح المفصل للآيات من المعلم.

7-استنباط الأحكام وكتابتها على السبورة.

خاتمة درس التفسير:

يقوم المعلم في ختام الدرس بالنقاط التالية:

1-     توجيه أسئلة تلخيصية وتقويمية للطلاب للتأكد من استيعابهم للدرس.

2-     إعطاء توجيهات تربوية في ضوء الآيات المشروحة؛ لتربط بالواقع.

3-     قراءة بعض الطلاب للدرس من الكتاب المقرر، وتصحيح الأخطاء، وشرح الغامض.

4-     إعطاء الواجب المنزلي.