مقال شهر محرم 1442هـ
طريقة تدريس مادة تلاوة القرآن الكريم
القرآن الكريم كتاب الله عز وجل وكلامه الذي أوحاه إلى نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي الملك الكريم جبريل عليه السلام، وهو المعجز في عبارته، والمعجز في بلاغته، والمعجز في تشريعه ونظامه، تحدى الله به البلغاء من صناديد العرب فعجزوا. وهو كلام الله غير مخلوق، وعلى هذا اتفق أهل السنة من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم، وذكر الطحاوي رحمه الله في عقيدته كفر من زعم أنه قول البشر.
والقرآن العظيم مُتعبَّد بتلاوته، أي أن لقارئه على مجرد القراءة أجراً، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف )).
والمسلمون على مر العصور حريصون على حفظ هذا الكتاب، ونقله إلى الأجيال بأمانة، وعن طريق المشافهة، فإن " الاعتماد في نقل القرآن الكريم على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة ". وقد تكفَّل الله تبارك وتعالى بحفظه للبشرية مناراً للهدى والنور حيث قال في كتابه العزيز: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9].
وهذا الكتاب الكريم هو دستور الإسلام، فقد تضمن عقيدة المسلمين، ومنهج عبادتهم، وأسلوب معاملتهم، وعلاقتهم بهذا الكون العظيم، إلى جانب ما تضمنه من الآداب والأخلاق المتنوعة، فإنه لا يمكن أن يتصور قيام مجمتع فاضل في أي زمان أو مكان بعيداً عن هذا الكتاب الرباني العظيم. وما تخلت جماعة من الجماعات البشرية عنه إلا ضلَّت في ظلمات بعضها فوق بعض لا يكاد يرى فيها شعاع من نور، { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهَ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } [النور:40].
ومن هنا كان تدريس القرآن الكريم، وتعليم تلاوته للنشء من أهم العلوم التي يجب أن يهتم بها المعلمون والمربون. فلا يتقدم على القرآن وعلومه أي علم كان، حتى يتعلق النشء به تعلقاً كاملاً، فتمتزج به قلوبهم، وتلتئم به أرواحهم، فيصبح دليلهم وقائدهم إلى الله تعالى.
الأهداف العامة لتدريس التلاوة:
تهدف دراسة مادة القرآن الكريم وتلاوته وتعلم علومه إلى تحقيق أهداف كثيرة جليلة منها أهداف عامة وأخرى خاصة:
1-اطلاع المتعلمين على المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي.
2-تقوية إيمانهم وصلتهم بالقرآن الكريم ليصبح دستورهم في الحياة.
3-تدبر القرآن الكريم والانتفاع بما حواه من العلوم الشرعية والأخلاق والآداب.
4-تحقيق الخشوع القلبي والاطمئنان النفسي للمتعلمين.
5-السمو بمستوى الطلاب اللغوي من خلال إجادتهم تلاوة القرآن الكريم، وحسن النطق بآياته، ومراعاة أحكام التجويد.
6-زيادة الثروة اللغوية عندهم من خلال حفظهم القرآن الكريم بحيث تنمو لديهم القدرة على الاستفادة من العبارات والكلمات القرآنية التي تثري نشاطهم الثقافي والاجتماعي.
7-إثراء الجانب الفكري لديهم بالمعلومات والمفاهيم الإسلامية التي تتناول حياة المسلم.
8-إتقان تلاوة القرآن الكريم.
9-تكوين التذوق من قراءة القرآن الكريم.
10-تكوين روح العمل بأحكام القرآن الكريم، والتخلق بأخلاقة وآدابه.
الأهداف الخاصة لتدريس التلاوة:
أما الأهداف الخاصة، فإنها تخص كل درس على حده، فعلى سبيل المثال يمكن إجمال أهداف تدريس سورة الضحى مثلاً على النحو التالي:
1-إتقان تلاوة هذه السورة.
2-استيعاب معاني هذه السورة.
3-معرفة أسباب نزول هذه السورة.
4-العمل بأحكام وآداب هذه السورة.
وعلى ذلك يتضح أن الأهداف العامة في العادة لا تتغير، أما الأهداف الخاصة فإنها تتغير حسب أجزاء القرآن الكريم وسوره، فتعالج كل سورة على حده.
التمهيد لدرس التلاوة:
لكل علم مكانته ومنزلته، ويحتاج لمقدمات وتمهيدات للخوض فيه، وذلك لتهيئة المتعلمين لما سوف يُلْقى عليهم من العلوم والمعلومات. والقرآن الكريم أولى المواد بهذا التمهيد. إذ لا بد أن يعرف المتعلم مكانة القرآن وعظم شأنه ليعطيه حقه من الانتباه والتركيز.
ويمهد المعلم لطلابه للدخول في علوم القرآن الكريم وآداب تلاوته بتمهيد مناسب، وذلك بأن يقنعهم بأن حاجتهم إلى هذا الكتاب العظيم أكبر من حاجتهم إلى أي شيء آخر في هذا الوجود، ويبين لهم أن هذا الكتاب هو آخر رسالة للبشر من عند خالقهم عز وجل، وأنه الوثيقة الوحيدة الصحيحة من عند الله التي لم يخالطها تحريف أو تزييف مبيناً أن ما عند اليهود والنصارى لا يساوي شيئاً، فهم بين محرف مجرم، وضال هالك. ويضيف إلى هذا البيان أن القرآن كلام الله خاطب به الناس، وهذا أوقع في نفوس المتعلمين إذ يعلمون أن الله يخاطبهم بهذا القرآن، وأنهم ملزمون بما جاء فيه، ومأمورون بتنفيذ أوامره.
وأما ما يخص التمهيد لكل درس، فإن المعلم لا بد أن يذكِّر طلابه في كل درس بأن يكونوا على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر، فقد انعقد إجماع الأئمة الأربعة رحمهم الله على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر. وهذا يهيئ أنفسهم إلى حسن التلقي، كما يوقع فيها تعظيم القرآن واحترامه، إلى جانب ما في مس الماء من النظافة والنشاط والحيوية.
ولا بأس قبل البدء في الدرس أن يعطي الطلاب نموذجاً من حال السلف رضوان الله عليهم، مبيناً حالهم مع القرآن الكريم، وكيف شغلهم عن الدنيا، وكيف كان وقعه على نفوسهم، فمنهم من شغله القرآن عن النوم، ومنهم من كان يقوم الليل بآية واحدة يرددها، ومنهم من كان يختم المصحف في ليلة. وفي بعض الأحيان يلقي عليهم موعظة خاشعة تعدُّهم للدخول في الموضوع، ولا بأس في بعض الأحيان أن يبين لهم طرفاً من الإعجاز العظيم في آيات القرآن الكريم.
ويراعي المدرس مراجعة دفتر تحضيره عند كل درس، ولا يهمل ذلك معتمداً على ذاكرته، وخبرته، فإن الغفلة والسهو من طبيعة الإنسان، ففي مراجعته الدرس ربما تذكر شيئاً ما يضيفه، أو كلمة يبين معناها، أو احتاج إلى مراجعة كتب أخرى للاستزادة من المعلومات، فإن العلوم في تقدم وتجدد، والمؤلفين في جميع الميادين لا يكادون يقفون عند حد، بل المؤلفات تصدر يومياً بما هو جديد ومفيد.
ويراعي المعلم ربط آيات القرآن الكريم بواقع التلاميذ، بحيث يبين لهم أن فيه حل جميع المشكلات، وأنه شفاء لما في الصدور، ويضرب لذلك الأمثلة حتى يبقى القرآن حياً في صدورهم.
ولا بد أن يعرف المعلم أن وظيفة التمهيد في أساسها تحريك العقول، وتنبيهها لما يلقى من المعلومات، فكل أسلوب مناسب يوقظ أذهان التلاميذ يمكن للمعلم أن يستخدمه في ذلك.
ويمكن للمعلم أن يستفيد من الأمور التالية في تمهيده للدروس، مع مراعاة التنويع والبعد عن الرتابة المملة:
1-عرض عام لأهم ما يدور حول الآيات المخصصة للقراءة من أحكام، وأفكار، وسبب نزولها.
2-عرض قصة قصيرة تناسب موضوع الدرس.
3-توجيه أسئلة توصل إلى موضوع الدرس.
4-محاولة ربط الدرس السابق بالدرس الحاضر.
5-التحدث عن جانب من جوانب عظمة القرآن الكريم.
على أن يكون هذا التمهيد في حدود (7) دقائق أو أقل.
خطوات تدريس التلاوة:
يراعي المعلم قبل دخوله الفصل الدراسي أن يراجع ما كتبه في دفتر تحضيره، مع اختياره فاتحة مناسبة يدخل بها إلى موضوع درسه، ويفضل أن تكون ذات صلة بموضوع الآيات التي سوف تُقرأ. فإن فهم الطلاب الإجمالي للآيات، ومعرفتهم بمعانيها يساعدهم على حفظها وحسن قراءتها، وعلى المعلم أيضاً أن يجنب الطلاب الخطأ في التلاوة فلا يفاجئ أحدهم بالقراءة، ولا يبدأ الطلاب بالقراءة إلا بعد التمهيد للدرس، مع بيانه لهم، وتعريفهم بالرسم العثماني للمصحف، فما خفي عليهم من الكلمات وضحها لهم بحيث لا يدخل الطالب على التلاوة إلا بعد أن يكمل كل شروطها وآدابها.
كما يتأكد الأستاذ من أن لكل طالب مصحفاً يقرأ فيه ويتابع، مع التأكد من حسن الإضاءة في الفصل. ثم يقرأ لهم الآيات قراءة متأنية خاشعة مراعياً فيها جميع أحكام التجويد، مع الاستعانة بالتسجيلات الصوتية إن احتاج الأمر. ثم يشرح الآيات شرحاً إجمالياً موجزاً، مع كتابتها على اللوح إن احتاج الأمر، ثم يعطي الطلاب فرصة للقراءة الصامتة، ثم يقرأ المدرس النص قراءة نموذجية أخرى، ثم يتبعه التلاميذ فيقرؤون واحداً واحداً حتى يمر عليهم جميعاً، أو على أكثرهم إن ضاق الوقت، ويفضل أن يبدأ بأحسنهم تلاوة، ثم يبين الأستاذ ما اشتملت عليه الآيات من أحكام، ويربط ذلك بالواقع مستشهداً بالأحاديث والقصص. ويراعي الأستاذ تصحيح أخطاء الطلاب مباشرة عند وقوعها ولا ينتظر حتى يكمل الطالب الآية، وذلك ليقف الطالب وزملاؤه على الخطأ ومعرفة الصواب، مع إعطاء الطالب الفرصة لتصحيح خطئه، فإن عجز طلب من الآخرين تصحيحه ليحصل انتباه الجميع، وإن ضاق الوقت بهذه الطريقة فإنه ليس من الضروري أن يقرأ الطالب كامل القسم المقرر من التلاوة بل يشترك في القسم أكثر من طالب فتعم الفائدة الجميع. ويرى البعض بأنه لا ينبغي اعتماد القراءة الجماعية بصوت واحد، لأن فيها تفويتاً لأخطاء الطلاب في التلاوة، إلى جانب أنها تحدث ضجيجاً يزعج الفصول المجاورة.
خاتمة درس التلاوة:
بعد أن يكون المعلم قد مهد لدرسه، وشرحه، ودرب التلاميذ على حسن الأداء، فإنه لا بد من أن يقيم أداء الطلاب ليتأكد من حسن أدائهم، وفهمهم لما شرحه، وألقاه من المعلومات، وهذا يكون بإلقاء الأسئلة المباشرة حول جوانب الدرس المشروح، ويفضل أن تكون عن طريق عرض موقف أو مشكلة من حياة التلاميذ، ثم يطالبهم الأستاذ بحلها في ضوء ما فهموه من الآيات المقروءة في الدرس.
كما يختم درسه أيضاً بسؤال الطلاب عن الفوائد التي توصلوا إليها من هذا الدرس، ثم يلقي عليهم كلمة نهائية تجمع لهم شتات الموضوع، وتبقى لهم ذكرى في نفوسهم ينتفعون بها.
وينهي الأستاذ درسه بتحديد الواجب المنزلي المتضمن مراجعة الآيات المقروءة، ومعانيها وحفظها، مع تحضير الآيات الخاصة بالدرس المقبل. ويفضل أن يزود الأستاذ طلابه ببعض التسجيلات الصوتية للأجزاء المطلوبة منهم ويلزمهم بالاستماع إليها كواجبات منزلية.
وعملية التقويم التي يقوم بها المعلم لا شك أنها مهمة للغاية، إذ إنه هو الذي عاين الطلاب، واحتك بهم فهو أدرى الناس بمستوياتهم، ومشكلاتهم، وهو أقدرهم على وضع الحلول المناسبة لهم، ومن هنا لا بد أن يكون متابعاً بدقة نمو طلابه العلمي، فيدون جميع ملاحظاته، واختباراته لتعينه على توجيه طلابه إلى تحسين وضعهم.
وقضية أخرى مهمة ترتبط بتمكين الطالب من تقويم نفسه، فإن استطاع المدرس أن يصل بتلاميذه إلى القدرة على أن يقوِّم كل طالب أداءه، فإنه يكون قد نجح نجاحاً طيباً، إذ إنه من السهل أن يقوِّم الأب، أو الأستاذ طلابه، ولكن من الصعب أن يقوِّم الطالب نفسه فلا بد من عون المدرس ومساعدته.