تعيش النخب الفكرية في المملكة العربية السعودية منذ زمن صراعا فكريا , ونزاعا ثقافيا , شمل غالب جوانب حياتنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية , بحيث لم يعد شئ من مسلماتنا السابقة إلا وقد خضع إلى شئ من إعادة النظر , والتقويم ضمن توجهات فكرية _ في كثير من الأحيان _ تتخذ لنفسها ساحة فكرية أوسع بكثير مما تسمح به الثوابت الشرعية , وربما استغل بعضهم القرار السياسي في فرض وجهاته الفكرية , رغبة منه بالإسراع بعملية التغيير الاجتماعي , التي تتطلبها طبيعة المرحلة الحالية , متناسيا أن المبادئ الفكرية والأخلاقية ولاسيما النابعة من الأصول الثقافية الإسلامية لا تغيرها القرارات السياسية , وإنما تغيرها الحجج العلمية , المدعومة بالنظر الشرعي الصحيح .
إن الوجهة الدينية متأصلة الجذور في مجتمع المملكة , ولا يمكن لأي تغيير فكري أن يبلغ مداه في الواقع الاجتماعي دون أن يكون قد نال حظه الوافر من الأصول الشرعية المرعية , التي يحترمها المجتمع, ويوليها مكانة خاصة .
ولقد تواترت تصريحات المسؤولين في كثير من المناسبات للتأكيد على هذه الأصول , وجاءت متسقة مع هذه الطبيعة الفكرية للمجتمع السعودي , تؤكد هوية البلاد الدينية , وتدعم ثوابتها العقدية والثقافية , التي تنظم المجتمع وتصهره في وحدة وطنية قوامها الدين , ولحمتها عقيدة التوحيد , الراسخة في بلاد الحرمين الشريفين, فلا مكان لوجهة فكـرية تتنكب ثوابت المجتمع ومبادئه المحترمة , وأصوله التي يعتز بها , فالكل في هذه البلاد مسلم , يعتز بانتسابه إلى هذا الدين , فليس أحد في المجتمع السعودي_ كما هو مفروض _ يرى إصلاحا خارج حدود الشرع الحنيف , ومباركة المؤسسة الدينية في البلاد , المخولة بالتعبير عن الوجهة الشرعية في المستجدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
ثم إن الأخوة الإسلامية هي رابطة الأمة وقاعدتها , التي تجمع أبناء المجتمع تحت المظلة الإسلامية , ومسمى المسلمين , كما قال الله تعالى : ( هو سماكم المسـلمين ) , فلا مكان للتنابذ بالألقاب بين أبناء المجتمع , ولا مكان بينهم للمسميات الدخيلة , أو المصطلحات الأجنبية , فغاية الجميع في اجتهاداتهم موافقة الشرع , وإصابة الحق , فإن أخطأ أحدهم في اجتهاده _ وجل من لا يخطئ _ عاد إلى الصواب , فالمسلم الحق لا يصر على الخطأ , فضلا عن أن يتقصد مخالفة الشرع , أو أن يحاد وجهة البلاد الدينية , أو أن يعاند مؤسساتها الشرعية .
ولقد جاءت تصريحات المسؤولين بالمملكة في مناسبات عديدة تؤكد للجميع _ في الداخل والخارج _ أن هوية البلاد إسلامية , تعتمد الكتاب والسنة , فلا مجال لتصورات تعبر عن فكر دخيل , ولا مكان لمن يريد أن يتنفس برئة غير إسلامية .