الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد الصادق الأمين , وعلى آله الطيبين الطاهرين , وعلى أصحابه الغر الميامين , وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ...
أما بعـــــــــد :
فها هو شهر رمضان المبارك يطل علينا ببركاته وفضله مرة أخرى , يتردد علينا في كل عام بإطلالة ملؤها النور والبهجة , والسعادة والفرحة , يغمرنا برحماته في أوله , وبمغفرته في أوسطه , وبالعتق من النار في آخره, تصفد فيه الشياطين , فيقل فيه الفساد , ويكثر فيه الخير , تفتح فيه أبواب الجنان للصائمين وتزين , وتغلق أبواب النيران إيذانا بتنزل الرحمات , وقبول الصالحات , ومغفرة الخطايا والزلات , فما أسعد المقبلين على الخيرات , يتبادلون التهاني والتبريكات , ويتعرضون لنفحات الغفران , صيام في النهار , وقيام في الليل , وبينهما استغفار ودعاء , وصدقة ورجاء , يرجون رحمة الكريم المنان , ويخافون سطوته وعذابه .
ما أجمل رمضان بالطاعات , فيزداد الصالحون منها , وما أجمله حين يكف المذنبون عن الذنوب , والمجاهرة بالعصيان , حتى يستحي فيه الصالحون من التقصير , ويخجل فيه المذنبون من الجراءة على المنكرات , حتى إن الناظر ليتعجب من اجتهاد بعض المذنبين في شهر رمضان , لاسيما في العشر الأواخر , كيف كان الشهر محفزا لبعضهم , يدفعهم دفعا نحو الطاعات , ويكفهم بلجام الصيام عن الكثير من الموبقات , فلا يبقى من أهل الإسلام أحد إلا هزه الشهر بفضائله , وغمرهم بإحسانه , إما محسن فيزداد إحسانا , وإما مسيئ فيرتدع عن بعض إساءته , إلا الشارد عن الله تعالى , , ممن قال الله فيهم : " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغادرين " ( 7/175) .
إن مدرسة الصيام درس للمسلم في التربية الإيمانية , تؤكد على مقام الإخلاص في العبودية لله تعالى , فهو علاقة قوية بالله سبحانه , لا يعلم إتقان المسلم للصيام إلا الله تعالى , ولهذا من أخلص فيه وحفظه , كان أجره على الله تعالى , يكافئه بما يستحق لإخلاصه , ولهذا جاء في الحديث القدسي : " الصيام لي , وأنا أجزي به " .
اللهم بلغ المسلمين أجمعين صيام هذا الشهر وقيامه , ووفقهم للتحفظ فيه مما يفسد أو يجرح صيامهم , وأجعلهم في أوله من المرحومين , وفي أوسطه من المغفور لهم , وفي آخره من العتقاء من النار يا أرحم الراحمين ..
والحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..