ينطلق المضطهدون، والمدافعون عنهم في الجمعيات والمنظمات الدولية نحو المطالبة بحقوقهم في الحياة الكريمة، المتضمنة لحق الحرية ، وحق العمل، وحق المشاركة السياسية ونحوها، وعلى الرغم من صحة مبدأ مطالبة المظلوم بحقوقه - في الجملة- فإن هذه الوجهة تحمل معها مبدأ الأنانية على الطريقة الغربية، فالكل يطالب بحقوقه، ولا يتحدث عن واجباته ، بل يعتبر حرمانه من حقوقه مسوغاً له لإهدار حقوق غيره، ولاسيما حقوق من ظلمه، أو أساء إليه.
والتصور الإسلامي يقرُّ مبدأ حقوق الناس في مقابل واجباتهم، فواجبات الشخص : حقوق الآخرين ، فبقدر الحقوق تكون الواجبات، فحقوق المرأة: واجبات زوجها، وحقوق الزوج: واجبات زوجته، وحقوق الحاكم: واجبات الرعية، وحقوق الرعية واجبات الحاكم، وحقوق الوالدين واجبات الأبناء، وحقوق الأبناء واجبات الآباء وهكذا... فلو انطلقنا جميعاً من واجباتنا، نقوم بها دون التعلق بالحقوق: لتحقق للجميع الاستمتاع بحقوقهم ، ولكن الوجهة الغربية الأنانية تتوجه عالمياً نحو المناداة بالحقوق، باعتبارها شرطاً للقيام بالواجبات.
والمتأمل في منهج الإسلام يجده – في غالب الأحيان- يؤكد على الواجبات أكثر بكثير من تأكيده على الحقوق، حتى إنه لا يرى إسقاط حقوق الظالم بسبب تقاعسه عن القيام بواجباته، فالحاكم إن قصَّر في واجباته، لا يسوغ أن تتقصَّد الرعية حرمانه من حقه في الطاعة في المعروف، والأب إن أساء في معاملة أولاده ، لم يصح لهم إسقاط حقه في البر، والأقارب إن أهملوا الصلة ، فقطعوا الرحم، لم يجز مقابلتهم بالمثل، وهكذا فالتصور الإسلامي ينطلق في مسألة الحقوق المتبادلة بين أفراد المجتمع من ضرورة القيام بالواجبات، وليس من مجرد المطالبة بالحقوق.
فكم هو جميل أن تراجع المنظمات والجمعيات الإسلامية هذه المسألة ، فتسعى إلى إحياء مبدأ الواجبات ، قبل أن تطالب بالحقوق، فإن مجاراة المنظمات والهيئات الغربية لن ينتهي إلى موافقتهم للمسلمين على مبادئهم، بل إلى العكس من ذلك، حتى إن المسلم المعاصر من شدة موافقته للغرب في وجهته العالمية ، وعدم تميُّزه : ليذوب في الآخر، حتى لربما تلاشت معالم شخصيته ، فلا يبقى معها إلا مجرَّد الصور والأسماء ، بعيداً عن الأوزان والحقائق.