مقال شهر ذي الحجة 1435هـ
المدرسة والأسوة الحسنة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيِّنا وسيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد .. فرغم التطور السريع الذي تشهده قطاعات التعليم ، والانفتاح الواسع على وسائل تقنياتها ، والتنوع الكبير في أساليب برامجها : غير أن أثر القدوة – الإيجابي أو السلبي - لا يزال قائماً في مجتمع المدرسة الحديثة ، لم ينقطع أثره رغم ما طرأ على العملية التعليمية من التطور المذهل خلال العقود المتأخرة ، ودخول عناصر تربوية جديدة ، ومتغيرات فنية عديدة ، ومع ذلك لا تزال القدوة التربوية في شخص المعلم ، وفي مجتمع المؤسسة التعليمية : تعطي عطاءها التربوي في صناعة الإنسان ، وبناء شخصيته ، وتكوين اتجاهاته ، كما أن الممارسات السلوكية المخفقة ، والآراء الفكرية المشوشة ، لا تزال - هي الأخرى - حاضرة في حياة المدرسة المعاصرة ، تعبث باتجاهات النشء ، وتعكِّر صفوة العملية التربوية ، وتعطل مسارها ، مما يقلق المربين الجادِّين ، ويحبط همم المصلحين الحريصين .
إن التأثير التربوي بنوعيه - الإيجابي والسلبي - واقع لا محالة على شخص المتعلم ، سواء كان ذلك بقصد المؤسسة التربوية وعنايتها ، أو كان ذلك بغفلتها وعفويتها ؛ لأن تلميذ التعليم العام - بطبيعته الفطرية - يعيش مرحلة التلقي عن الآخرين والاقتباس عنهم ، وهو - بطبيعته الاجتماعية - ابن بيئته ، يلبس لباسها ، ويحكي طريقتها ، ويسلك نهجها ، وقلَّما يختار الناشئ - في هذه المرحلة - سلوكاً أو اتجاهاً مستقلاً ، يغاير النماذج التربوية المتاحة ، ومن الصعب عليه أن يميِّز بدقة بين ما هو سلوك قويم ، واتجاه سديد ، وبين ما هو سلوك أخرق ، واتجاه سقيم .
ولهذا فإن التربية السلوكية التي تحصل في المؤسسة التربوية - باعتبارها مسئولية منوطة بها - تعمل على الربط بين المفاهيم والقيم والمبادئ التي يتلقاها الطالب في المدرسة ، وبين السلوك العملي الذي يمارسه في حياته الاجتماعية ؛ بحيث يتطابق الاعتقاد مع السلوك ، ويتناغم معه في غير تناقض أو تعارض ، وهذا يتطلب بالضرورة أن تكون النماذج التربوية المعروضة للتلاميذ ، والقائمة على شؤونهم هي الأخرى تتمتع بنفس هذه الخاصية ؛ فتجمع بكفاءة بين ما تبثه بين التلاميذ من القيم العقدية والخلقية ، وبين سلوكها الشخصي .
إن هذه الطبيعة الفطرية في شخصية الناشئ الصغير لا تسمح للمؤسسة التربوية ، وهيئتها التدريسية والإدارية بأقل من الحدِّ الأدنى لمعايير جودة الأداء التربوي ، سواء كان ذلك في شخصية المعلم التربوية وكفاياته التعليمية ، أو في إمكانات المؤسسة التعليمية وكفاياتها الإدارية ؛ فإن التلميذ لا يستطيع أن يحل أزمة التناقض السلوكي والخلقي ، بين ما يتلقاه من المعارف والعلوم ، وما يسمعه من المبادئ والقيم ، وبين ما يعاينه من القصور الشامل ، ويشاهده من الإخفاق العام ، سواء كان ذلك في جمهور المنتمين إلى المؤسسة التعليمية ، أو في حجم الاختلال الواقع في معايير الجودة في إدارة المؤسسة وتجهيزاتها .
وفي ضوء ما تقدم يمكن تلخيص الدور التربوي للمؤسسات التعليمية فيما يأتي من النقاط :