النفـــــاق العصـــري

يتعجب المسلم من مسلك بعض المنافقين في هذا العصر، من الذين لا يعجبهم أن تلتزم الأمة بدينها؛ لأن الدين- في تصورهم – هو سبب تخلف الأمة وانحطاطها، فهم مصرون على أن التفلُّت من الالتزامات الشرعية، عن طريق تتبع الرخص الشرعية، والأخذ بالفتاوى الميسَّرة, هو طريقهم في الفترة الحالية لإقناع الناس بالتطور والتغيير ، فتراهم – في كل مسألة- يقولون : في المسألة خلاف، ولابد من احترام الرأي الآخر، فمن أخذ بقول من الأقوال الفقهية، لابد من احترام رأيه، فإذا واجهتهم مسألة من مسائل الإجماع، بحثوا لها عن قول شاذ، وتمسَّكوا به ، وسعوا إلى فرضه، فإذا لم يجدوا قولاً شاذاً يردُّون به الإجماع: سكتوا عن المسألة فلم يناقشوها، وإنما يخالفونها في واقع أعمالهم دون حياء منهم.

ومن الشواهد التطبيقية لهذا المسلك : طريقة تعامل المنافقين مع المرأة في وسائل الإعلام، فإذا حدَّثهم أحد عن وجه المرأة أو صوتها قالوا : وجه المرأة ليس بعورة، وكذلك صوتها، ونحن نتقيَّد في كلِّ أنشطتنا الإعلامية بعقيدتنا السمحة، فإذا عُوتبوا في ظهور المرأة متبرجة بكامل زينتها في بعض البرامج والمسلسلات: سكتوا فلم يردُّوا، مع استمرارهم في باطلهم، مما يدل على أن الأصل هو الهوى، فإذا وافق الشرع تنادوا به، وإذا خالفه سكتوا عنه.

والمسلم الفطن لا يُعطي اهتماماً كبيراً للأقوال والتصريحات، بقدر ما يُعطي للأفعال والأعمال حقها من الاهتمام والتمحيص، فإن من مسالك المنافقين إعلان الحق في الظاهر، ومخالفته في الباطن، فينطلي مكرهم على البسطاء، الذين تستهويهم التصريحات الرنانة، والكلمات المنمقة، فيغفلون عن الواقع والحقيقة القائمة، وصدق الله تعالى إذ يقول عنهم: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ( (2/11)، ويقول أيضاً: ) إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ( (63/1) إلى أن قال : ] وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ …( (63/4).