35- الدور التربوي للحجاب في كف الإثارة العاطفية
إن من أعظم الدوافع التي تسوق النساء للتبرج في كل عصر، وفي جميع الطبقات الاجتماعية: رغبتهن في الاستهواء والجذب والمغامرة، ومنافسة القرينات؛ وذلك من خلال إظهار مفاتن الجسد المكنونة مثل: الشعر، والصدر، وطريقة المشية، والصوت، والعطر، وهذه السلوكيات لا شك محرمة بالدرجة الأولى بالشرع الحنيف، وفي الدرجة الثانية: تُعتبر سلوكاً غير اجتماعي؛ إذ تتعدَّى المرأة المتبرجة بهذه الممارسات حدود حريتها الشخصية إلى أن تتعرض لحريات الآخرين؛ فإن حرية الفرد – في التصور الإسلامي – تنتهي عند بداية حرية غيره؛ فمن أعظم حقوق الرجال على النساء في الحياة الاجتماعية العامة: ألا يُثرنهم بسلوكهن المقصود؛ فإن الغرض الأول من فرض الحجاب: المحافظة على مشاعر الرجال من الإثارة والفتنة؛ فمع كون الحجاب وسيلة لمحافظة المرأة على نفسها فهو مع ذلك وسيلة مهمة لكفِّ فتنتها عن الرجل، فإن رؤية أجساد المُسْتحسنات من النساء: تُزعج الصالحين، وتُثير الفاسقين؛ لأن " السمات الجسدية في الأنثى هي أكثر سمات الأنثى جاذبية للذكر"؛ إذ "يشكِّل الإغراء الجســدي عند الرجـــال عاملاً حاسماً أثناء اختيار القرين، بعكس ما هو الحال عند النســاء ؛ فإنهنينطلقن – بصورة أساسية – من الشخصية، وما يترتب عليها من صفات عند الرجل"؛ ولهذا لا يمثل النظر إلى جسم الرجل بالنسبة للمرأة عنصراً مثيراً، في حين يُعتبر جسمها بالنسبة له في غاية الإثارة، حتى إن الجاهل القاصر من الرجال يكتشف المرأة عن بعد مائة متر من خلال نمط حركة مشيتها، وقد استقر عند المختصين أن التأثيرات البصرية تُثير الرجال أكثر بكثير مما تثير النساء، ولعل هذا ما يفسِّر تفوُّق كثير من الذكور على الإناث في التأكيد على مسألة الحجاب والتستر، وكثيراً ما تغفل الفتيات عن عمق هذا الأثر في الجنس الآخـر ، فقد تكون إحداهن – بقصد أو بغير قصد – سبباً في إثارة الرجل وجرأته عليها تحت ضغط الشهوة، وفي هذا يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي: " لو كنت قاضياً ورُفع إليَّ شاب تجرأ على امرأة فمسَّها، أو احتك بها، أو طاردها، أو أسمعها، وتحقق عندي أن المرأة كانت: سافرة، مدهونة، مصقولة، متعطِّرة، متبرِّجة: لعاقبت هذه المرأة عقوبتين، إحداهما بأنها اعتدت على عفة الشاب.... والثانية بأنها خرقاء كشفت اللحم للهرِّ".
ومن هذا المنطلـق الفطــري للفــروق بين الجنسين في تأثير كل واحد منهما في الآخر: جاء التشريع الإسلامي المحكم موافقاً لهذه الطبيعة: فقدَّم "ستر النساء على ستر الرجال دفعاً لأعظم المفسدتين"، وأمر النساء في الحياة العامة بالحجاب، وإخفاء زينة البدن، وعدم إظهار حجم الأعضاء، ومُنِعْن الطيب، ولفت الأنظار بالمشية، وأمرهن بخفض الصوت, واستخدام التصفيق عند الحاجة، وعُذرن من الأذان والإقامة،والرَّمل في الطواف، وحتى الميِّتة منهن تُستر فلا يرى الأجانب حجم عظامها، كل ذلك احتياطاً لمنع الإثارة الجنسية غير المرغوب فيها، سواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد؛ فإن رغبة المرأة الملحَّة في استحواذ إعجاب الرجال أمر فطري في نفسها، يصعب عليها ردُّه، فالاستعراض لجذب انتباه الآخرين: سلوك طبيعي عند الإناث، حتى في البيئات الاجتماعية المحافظة، لا سيما في سن الشباب، ولا يعني هذا بالضرورة ميلهن نحو الفاحشة، وإنما رغبتهن المُلِحَّة في أن يكنَّ محطَّ اهتمام الرجال وإعجابهم، " والمرأة منهن لا تزال حريصة على إبراز جمالها وحسنها؛ لأنها ترى في هذا السلوك إخلاصاً لطبيعتها، وتحقيقاً لأنوثتها"، ومن هنا، ومن هذا المسلك الفطري الطبيعي في بناء نفسية المرأة يبرز دور الحجاب في إحكام هذه الطبيعة وضبطها، فالمرأة إذا ارتدت جلبابها الشرعي تمكَّنت به من إخفاء مشاعرها الملحة، فلا تصدر عنها إيماءة غير مقصودة تثير الرجال؛ فإن مظاهر الجسد وحركاته تُعتبر وسيلة اتصال جيدة لنقل المشاعر والأحاسيس، خاصة وأن أهون وأخف الحركات من الفتاة الطائشة يمكن أن تفعل فعلها البالغ في نفس الرجل؛ بل إن مجرَّد كونها أنثى مع كامل التَّستُّر والأدب: كاف لجذب نظر الرجل إليها حتى وإن كان صالحاً ، وحصول شيء من الإغراء الطبيعي في نفسه،وتحريك الطبيعة الغريزية فيه, ومن هذا المنطلق الفطري جاء التوجيه الرباني للنساء بالقرار في البيوت، والالتفات إليها، وعدم الخروج إلا لحاجة، فإذا خرجن لحاجاتهن ضمن حدود الأدب: كان حقاً على الرجال أن يغضُّوا أبصارهم حتى عن جلابيبهن.