34- أزمة الحجاب
منذ عقود مضت تولي مجموعة من المنظمات الأجنبية قضية المرأة المسلمة أهمية خاصة، من خلال عقد المؤتمرات الدولية داخل البلاد العربية والإسلامية وخارجها، بهدف إحداث التغييرات الاجتماعية المطلوبة لتطوير المنطقة الإسلامية ضمن المفهوم الغربي للحياة الاجتماعية، ومن خلال تقنية الاتصالات في العقود الأخيرة من القرن العشرين: غدا الحضور الثقافي الغربي قائماً في حياة المسلمين، وأصبح التأثير السلبي لنمط الحياة الغربية ملموساً في واقع المسلمين الاجتماعي بصورة عامة، وفي واقع المرأة المسلمة بصفة خاصة، لا سيما فيما يتعلق بنمط اللباس، الذي يعدُّ خاصية تميز المرأة المسلمة عن غيرها؛ فقد أصبح نمط اللباس الغربي عاماً بين غالب المسلمات، ولم يعد مستنكراً أن تسير المرأة المسلمة في عواصم الحواضر الإسلامية بغير حجاب، تُظهر مفاتن جسمها، ولا تستر منه إلا ما تستره غالب النساء الغربيات.
وبعد أن تعرض حجاب المرأة المسلمة في بداية القرن العشرين لنقد شديد، بهدف خلخلة الثوابت الشرعية المتعلقة به: أخذ وضع الحجاب يتراجع في الساحة الاجتماعية في العقود الأخيرة من القرن العشرين، مع شيء من التحسُّن في بعض الأوساط الاجتماعية، ومع ولوج البشرية الألفية الميلادية الثالثة، واستفحال التأثيرات السلبية للعولمة الثقافية: انحصر مفهوم الحجاب وتطبيقاته الواقعية في تغطية جزء من شعر المرأة المسلمة، باعتبار ذلك حجاباً شرعياً يكفُّ الألسنة عن النقد، وتراجع – في الوقت نفسه – مفهوم الحجاب باعتباره خماراً أو جلباباً يعم بدن المرأة كلَّه، فلم يعد غريباً أن تشاهد الفتاة المسلمة في الشارع العام، أو على وسائل الإعلام المختلفة: مغطية شعرها بقطعة قماش صغيرة، وقد لبست ما يحدد بوضوح معالم جسمها، أو يكشف جزءاً من نحرها وساقيها، إضافة إلى استخدامها – بصورة صارخة – المساحيق الملونة، والعطور النفاذة، ومع ذلك يُراد – لمثل هذا النموذج – أن يُعطى الصفة الشرعية، بحيث تتربى عليه الفتاة المسلمة، وتنشأ على أنه القدْر الشرعي من الحجاب الذي ألزمها الله تعالى به.
ولا شك أن هذا الواقع القائم يعود إلى أسباب اجتماعية وثقافية وأخلاقية، تحتاج إلى مراجعة، إضافة إلى شبهات فكرية وتاريخية تتطلب المدارسة، حتى تظهر الوجهة الإسلامية الصحيحة في ضوء الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، وتطبيقات السلف، التي يجب أن تتربى عليها الفتاة والمرأة المسلمة.
إن من الضروري – والحالة الاجتماعية هذه – إعادة بناء شخصية المرأة المسلمة المتقيدة بالحجاب الشرعي السابغ الذي يعم البدن، ويمنع أو يحد – على الأقل – من الفتنة بالمرأة، باعتبار أن الحجاب ضرورة للعفة، لا يُستغنى عنه بمجرَّد الاعتماد على الشرف أو نحوه فعلى الرغم من المنزلة الإيمانية والأخلاقية التي بلغها جيل الصحابة من الرجال والنساء رضوان الله تعالى عليهم: فقد أمرت المرأة بالحجاب السابغ الذي يعم البدن كلَّه، حتى إن بعضهن كن يحضرن صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده، وينصرفن قبل أن يتبين ضوء النهار، فلا يعرفهن أحد، ولا يعرف بعضهن بعضاً ، ومع ذلك يحضرن: " ... متلفِّعات بمروطهن..."،كما وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها؛ يعني مغطيات كامل أبدانهن، ولم تذكر في وصف حالتهن من التستُّر استثناء للوجوه أو للأكف.