32- العلاقة بين المعلم والتلميذ
إن من أشد الروابط التربوية التي تربط شخصين فيما بينهما هي رابطة التعلم والتعليم ، التي تربط بين المعلم والتلميذ برباط وثيق لا يكـاد ينفصم ؛ فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ، إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم " ، فالدنيا - بما فيها من الملذات - تصبح ملعونة حين تصدُّ عن سبيل الله ، ولا يستثنى من ذلك إلا ذكر الله تعالى وما شابهه ، مما استحسنته الشريعة ، ثم خص رسول الله صلى الله عليه وسلم العالم والمتعلم من صور المذمة ، فلم يفصل بينهما ، أو يستغني بذكر العالم وحده لفضله دون المتعلم ، بل ذكرهما معاً لهذا المعنى الأصيل ، والرابطة الوثيقة بين المعلم والتلميذ ؛ إذ لا معنى للمعلم بغير المتعلم ، ولا معنى للمتعلم بغير المعلم .
وقد حفل نظام الإسلام التربوي بعنصري التعليم : المعلم والتلميذ ، واعتنى بهما غاية العناية ؛ فنصوص الوحيين : القرآن والسنة ، ومذاهب العلماء ، وإرشادات المربين - في مجموعها- تكوِّن نسقاً عاماً لموقف التشريع التربوي الإسلامي من المعلم والتلميذ .
ورغم التبشير- في العقود الأخيرة - بزوال دور المعلم ، وأفول نجمه عن الساحة التربوية ، وإقصائه عن العملية التعليمية ، لا سيما في هذا العصر بعد ظهور وسائل التعليم عن بعد بأنواعها المتعددة ، ومع ذلك فإن عطاءه التربوي ، ومركزيته بين عنـاصـر التعليم : لا تزال قائمة وافرة العطاء ، رغم ما انتابه من الضعف العلمي ، والاختلال الشخصي ، فلا يتصور بحال - على المدى القريب على الأقل- أن يُستغنى عن دوره التعليمي ، وعطائه التربوي ، لا سيما في مراحل التعليم الأولى ، التي تتطلب التصاقاً أكبر ، واحتكاكاً أوسع بين المعلم والتلميذ ، ولهذا أولى التشريع التربوي الإسلامي اهتماماً خاصاً بشخصية المعلم ، من جهة إعداده للعملية التعليمية ، وتهيئته للدور التربوي المنوط به في تهذيب التلاميذ ، وتنمية مداركهم ، وتقويم سلوكهم ، وإعدادهم للحياة وفق مفهوم الإسلام الخاص عن : الحياة ، والكون ، والإنسان ، فدور المعلم التربوي مع التلميذ بمثابة "رضاعٍ ثانٍ للصبي بعد رضاع الأم " ، فلا بد من إعداده وتهيئته لهذه المسئولية الإنسانية الحيوية .