إن المعرفــة نعمـة من نعم الله تعالى الباطنة التي أسبغها على عباده، كما قــال عـــز وجــل: ... وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة ... (لقمان : 20), ولا تُعرف هذه النعمة على حقيقتها، ولا تُقدَّر قدرها : إلا بمعاناة تعب الجهل، فهو مرض نفسي مزمن، ولا راحة للنفس إلا بالخلاص منه، فثبت أنه لا كمال ولا لذة فوق كمال العلم ولذته ؛ ولا شقاوة ولا نقصان فوق شقاوة الجهل ونقصانه .
والميل نحو المعرفة يرجع إلى تركيب فطري في الإنسان جُبلت عليه النفس، وهو حب الاطلاع على المعلومات وحيازتها ؛ إذ يحصل له بهذا الاستحواذ المعرفي : لذة نفسية عظيمة لا تكاد توازيها لذة ، إلا أن تكون في مناجاة الله تعالى ، وقد دلَّ العديد من الدراسات الحديثة على ما يشير إلى هذا المعنى، ويؤكد حاجة الإنسان – ذكراً كان أو أنثى – إلى الاستطلاع والاكتشاف، والتعرف على الخبرات الجديدة، وحل المشكلات ؛ بل إن إمعان العقل في شيء من التفكير قد يكون في حدِّ ذاته بهجة وراحة للنفس.
إن الفتاة المسلمة مفتقرة إلى هذا الإحساس النفسي الفطري المفعم بالبهجة والسرور، ومحتاجة للخلوص من تعب الجهل، والتلذُّذ بطيب المعرفة : مما يوجب على المجتمع إشباع هذه الحاجة الطبيعية عند الفتيات، حتى تسكن نفوسهن وتستقر، ولا سيما عند الطموحات منهن، فإن الطمــوح إذا لم يجد ساحة كافية للانطلاق انعكس سلباً على الصحة البدنية والنفسية .