لقد أثبتت التجارب أن التربية هي وسيلة المجتمع لبلوغ أهدافه المنشودة، والمحافظة على استمراره، وضمان رقيه وتطوره، وذلك من خلال الإعداد الشامل للفرد ؛ ليكون إنساناً صالحاً ونافعاً لمجتمعه، بحيث يجد في الوسط الاجتماعي البيئة الصالحة لتفجير وتوجيــه طاقاتــه وقدراته الكامنة، وتشكيلها بما يخدم ثقافة المجتمع السائدة وينمِّيها ؛ فإن العلم ليس ميراثاً بيولوجياً يُنقل بالوراثة من جيل الآباء إلى جيل الأبناء، إنما هو ميراث اجتماعي يُنقل من خلال التربية والتعليم، ويهدف إلى تنمية المجتمع، والنهـوض به وترقيته ، وما زالت الثقة في أنظمـة التربية والتعليم تكبر، وتتضـخم في حسِّ المجتمعـات المعاصــرة , حتى إنها قد تصبح مستقبلاً الأداة الأساسية للترقي الاجتماعي ؛ فإن الوسط التعليمي من أهم العوامل البيئية تأثيراً في الفرد ؛ ولهذا يُعوِّل كثير من التربويين على التعليم – خاصة الثانوي منه – ليكون أداة فعَّالة للنهوض الاجتماعي، وتحقيق حاجات المجتمع ومتطلباته المعاصرة .
ويُشير إلى هذا الفهم موقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة بدر الكبرى ؛ حين جعل فكاكَ الأسير : تعليم عشرة من أبناء المسلمين، رغم استحقاقهم عقوبة القتل على جرائمهم، إلا أن المصلحة الاجتماعية في الترقي العلمي كانت أكبر في حسِّ النبي صلى الله عليه وسلم من مجرَّد الانتقام منهم، فلا بد من مراعاة إشاعة المعرفة بين أفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً دون تمييز ؛ فإن أقل ما يمكن أن تقدمه الفتاة المتعلمة للأسرة : الإسهام في تعليم أبنائها، فقد ثبت أن التحصيل العلمي عند الأولاد والبنات يتمشَّى بصورة إيجابية مع مستوى التعليم عند الأمهات.
وأما ما يمكن أن تقدمه الفتاة المتعلمة للمجتمع فهو الترقي العلمي، والتقدم الحضاري ؛ فإن التعليم يقوم بالدور الرئيس في إعداد رأس المال البشري، الذي يُعد الأساس الأول والأهم في التنمية الشاملة، وقد ثبت – بما لا يدع مجالاً للشك – أن النجاح الاقتصادي الكبير الذي أحرزته دول شرق آسيا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين ومطلع القرن الجديد، لا سيما اليابان وكوريا يرجع في الأصل إلى التوسع في التعليم ؛ بحيث لا يُترك أحدٌ من أفراد المجتمع أياً كان دون تعليم، بحيث يحصل - على الأقل - على الحد الأدنى منه ؛ ولهذا تكاد تنعدم الأمية في الدول الصناعية في حين لا تزال في الدول العربية حتى عام 1990م تسيطر على نصف المجتمع تقريباً ، إلى جانب التفاوت الكبير في الإنفاق على تعليم الفرد الذي يصل متوسطه في الدول المتقدمة إلى أكثر من سبعة أضعاف متوسط ما يُنفق على تعليم الفرد في الدول العربية، ولا شك أن هذا الوضع انعكس سلباً على تقدم الأمة ورقيها الاجتماعي، وكان للإناث النصيب الأكبر من نسب الجهل والأمية .