تشهد المجتمعات الإنسانية المعاصرة توسعاً كبيراً في استغلال جهود النساء عموماً والفتيات خصوصاً في تنفيذ خطط الدول التنموية الشاملة ، في صور من التوسع والاستيعاب لم يسبق لها مثيل في التاريخ البشري ؛ حيث يتم ذلك ضمن وسط مفرط من حماس الكتَّاب والباحثين ، وتشجيع الإعلاميين ، وتوصيات مستمرة من المؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية ، ومباركة من الأنظمة السياسية، حتى أصبح اشتغال النساء بالوظائف العامة – ولو كان لغير حاجة – هدفاً في حد ذاته ، تسعى إليه المرأة وتعاني ضغوطه ، كما يسعى إليه الرجل ويعاني ضغوطه ، سواء بسواء ، بحيث ما تبلغ إحداهن سن الخامسة عشرة من عمرها حتى تصبح مستهدفة دولياً بالعمل والتشغيل ضمن القوى العاملة ، حتى صدق على هذه المجتمعات قول رسول الله : " لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد طرقاً ، وحتى يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة ، وحتى تتجر المرأة وزوجها ، وحتى تغلو الخيل والنساء ، ثم ترخص فلا تغلو إلى يوم القيامة " .
والعجيب أن هذا التوسع المستمر يتم دون استحضار جاد للفروق الطبيعية بين الذكور والإناث ، واختلاف المهام الاجتماعية ، والأدوار التربوية بينهما ، ودون نظر حكيم للسلبيات الصحية والأخلاقية والاقتصادية التي يمكن أن تنتج عن هذا التوسع المفرط في تشغيل النساء بغير ضوابط تحكم عملهن؛ إنما الهدف – من كل ذلك – هو إخراجهن من البيوت كيفما اتفق ، وبأي ثمن كان ذلك.
إن هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي العام يتطلب بالضرورة إعادة النظر من جديد في أمر تشغيل الفتيات خصوصاً ، والنساء عموماً بما يجلِّي الواقع القائم ، ويقوِّم جدوى التوسع في أعمالهن ، وذلك من خلال وضع مجموعة من الضوابط العامة التي تحكم أسلوب وهدف تشغيلهن ضمن ميادين العمل المتاحة لهن في هذا العصر .