لقد حلَّ المسلمون عبر تاريخهم الطبي المديد، منذ الزمن الأول مشكلة الاختلاط بين الجنسين وسلبياته في الميدان الطبي، وذلك من خلال عزل مستشفيات النساء عن مستشفيات الرجال بصورة كاملة، بما في ذلك: رعاية اليتامى، ودور الحضانة، وملاجئ المجذوبين، ومعاقل المختلين، بحيث تستقل كلٌ دار بفريق متكامل للتمريض والخدمات والنظافة، فينقسمون بين هذه المستشفيات حسب الجنس، ولا يستثنى من ذلك إلا الأطباء الذكور؛ فقد كانوا يعالجون الفريقين من المرضى لانعدام الطبيبات في هذه المستشفيات؛ ولكون إعداد الطبيبة – في ذلك الوقت – لا يتناسب مع ضوابط الحياة الإسلامية؛ حيث تحتاج إحداهن لتتعلم فنون الطب إلى الاختلاط بالرجال، فقد كانت المدارس الطبية مقصورة على الرجال، من المعلمين والطلاب، بحيث يرتبط الطبيب بمجموعة من الطلاب، في المدرسة الطبية، أو البيمارستان، أو الجامع، أو في بيته، يتلقَّون عنه العلم، ولا يحرصون على وجود الطالبة، وإنما كان بعض الفتيات – في ذلك الزمن – يتعلَّمن الطب عن طريق المحارم من الرجال، أو القريبات من النساء، يتوارثنه توارثاً، ولهذا الضيق الصحي أجاز العلماء بالإجماع – ضمن ضوابط متعددة – تولي الطبيب الموثوق – حال الضرورة – علاج المرأة المسلمة، ولو أدَّى ذلك إلى كشف عورتها بقــدر الحاجـــة، وقد شهد واقع الأمة الإسلاميــة في السابق وقائع لا تُحصى من علاج الأطباء للنساء المرضى دون نكير، فإن الأمر إذا ضاق اتسع، والمشقة تجلب التيسير، مع أخذ العهود والمواثيق الغليظة على الأطباء بحفظ عورات النساء، وستر العيوب، وكتم الأسرار؛ فإن أوَّل ما يُبدأ به مع طالب الطب عند المسلمين الأوائل هو تهذيب نفسه بالآداب الشرعية، والمبادئ الأخلاقية.