إذا افتُرض جدلاً : أن العاملة المتزوجة استطاعت أن تجمع بكفاءة بين شؤون رعاية بيتها ومهام وظيفتها دون أن تضرَّ بدنها ، أو تقصِّر في عبادتها : فأنَّى لها أن تنجو من أثر هذا الجهد البدني الكبير ، وطبيعة معاناة ضغوط العمل على صحتها النفسية ، وتوافقها الاجتماعي والأسري .
إن الثابت من خلال الدراسات الميدانية العربية منها والأجنبية: أن النساء والفتيات العاملات في هذا العصر يعانين من المشكلات النفسية والعصبية أضعاف ما يعانيه الرجال العاملون ، من حيث : الإرهاق العصبي ، والاكتئاب ، والقلق ، والتوتر ، والشعور بالذنب ، إلى غيرها من الأمراض والآلام المتنوعة، التي تعمل في مجموعها على إنهاك المرأة العاملة نفسياً ، مما قد يدفعها – في أسوأ الأحوال – إلى تحطيم الذات ، أو ربما إلى الانهيار العصبي ، أو سوء التوافق الاجتماعي ، وربما دفعها توترها النفسي إلى العنف العائلي تجاه الأولاد ، حين تبلغ ذروة توترها عند لحظات رجوعها من العمل إلى المنزل، وقد تشبَّعت بما لا مزيد عليه من ضغوط العمل الجسمية والنفسية ، التي فرضتها – بصورة أكبر – طبيعة التطور التقني الحديث ، في ظل هيمنة النموذج الغربي للتنمية الاقتصادية .
إن النفس أعظم ما تملكه المرأة ، وأجلُّ ما تُحافظ عليه : فلا يصح منها، ولا من المجتمع الاقتصادي – الذي يستغل جهودها – أن يقيمها في موقع إنتاجي يُتلف نفسها ، مهما كان ذلك الموقع مهماً ؛ فإن الضابط الصحي في التصور الإسلامي يرفض تقديم المصلحة المادية – مهما كانت نفيسة – على مصلحة الإنسان الصحية ، فإن المؤمن أعظم عند الله من الدنيا وما فيها .