إن الإرهاق البدني ، والتوتر النفسي اللذين يخلِّفهما الجمع بين العمل المنزلي ، والعمل الرسمي : ينعكسان بصورة سلبية على صحة الإنجاب عند العاملة المتزوجة ؛ فقد ثبت طبياً أن جهد العمل المضني يعيق النمو الطبيعي للجنين ، ويعرِّض النساء العاملات – أكثر من غيرهن – لحالات الوضع المبكر، وموت الأجنَّة في الأرحام ؛ لهذا يُنصح الحوامــــل بالتوقف عن العمل – خاصة – عند بلوغهن الشهر الرابع من الحمل ، حرصاً على سلامة الإنجاب؛ لأن الحامل في هذه الفترة وما بعد الوضع أحوج ما تكون إلى السكون والقرار ، والبعد عن المثيرات والمنبهات الخارجية العنيفة ، ولهذا تحرص النساء العاملات على الالتحاق بالعمل في القطاع الحكومي ؛ لكونه يراعي – أكثر من القطاع الخاص – مثل هذه الظروف النسائية الصحية ضمن الإجازات المدفوعة الأجر .
إن الضابط الصحي في التصور الإسلامي يعتبر سلامة الإنجاب من أولويات المرأة الصحية ، بل من أولويات مهام المرأة الإنسانية على الإطلاق ؛ فإن خدمة النوع من خلال التناسل قضية المرأة الكبرى ، ومسؤوليتها العظمى، بعد أصول الإيمان ، ومبادئ الأخلاق؛ فإن طبيعة نموها ، وصفة تركيب جسدها ، وأنواع أجهزتها: تدل بوضوح على نوع الدور الذي أعدَّت له ، والمهمة التي هُيِّئت لها، كما أن ذاتها لا تتحقـق إلا بقيامهــا بوظيفتها التناسليــة، إلا " أن جسم المرأة المعاصرة قد أخذ يتطور تحت وطأة مسؤوليات العمل ، فأخذ يتقارب - من حيث التركيب- من جسم الرجل ، باستثناء الخطوط الرئيسة التي تُميِّز جسم المرأة بوجه عام عن جسم الرجل ؛ فالثديان أخذا في التقلُّص والضمور ، بحيث لا تستطيع كثير من الموظفات القيام بإرضاع أطفالهن عن طريق الثديين ، ومن الطبيعي أن يتواكب مع ضمور الثديين ضمور مستشر في جميع أنحاء الجسم ، بما في ذلك الأعضاء التناسلية ، والأجهزة المسؤولة عن الحمل ؛ فإن للثديين تأثيراً كبيراً في زيادة حركة الدم في أعضاء الأنثى التناسلية ، وإفرازاتها المنبِّهة للمبيضين ، التي تقاوم بدورها الضمور المبكر للرحم ، مما يترتب عليه نقص شديد في استمتاع الأزواج جنسياً من جهة ، وانخفاض معدلات الإنجاب من جهة أخرى " .
إن من الضروري أن " تعتني المرأة قبل كل شيء بأنوثتها ، وتكوينها البيولوجي الطبيعي ، الذي لا بد منه للمحافظة على النوع الإنساني ، وبعد ذلك تنظر في القيام بالعمل الذي يناسبها " ، ويتوافق – دون تعارض – مع هذا الدور الإنساني العظيم المُناط بها ، فإن الشارع الحكيم الذي تلطَّف بالمرأة الحامل في القيام بأركان الإسلام العظيمة – الصلاة ، والصيام ، والحج – رغبة في سلامة الإنجاب : لا يمكن أن يسمح لها بهدر صحتها فيما دون ذلك من حاجات الحياة الدنيا ، مهما كانت مهمة ، وما أسقطت الشريعة واجب الجهاد القتالي عن المرأة ، إلا من أجل حفظها من مظان الموت، حتى تبقى في خدمة النسل ورعايته ، بل وحتى المرأة المرتدة لا تُقتل عند طائفة من أهل العلم ، وإنما تُحبس ، وما ذلك إلا لغرض حفظ النسل ؛ إذ إن كثرة النسل تتوقف عَلَى وفرة العنصر النسائي ، أكثر من توقفها عَلَى وفرة الذكور.