يُعتبر الاختلاط بين الجنسين خارج حدود الأدب المشروع سمة غالب المجتمعات الإنسانية المعاصرة، حتى أصبح سياسة تعليمية تتبناها الدول، فتجمع بين الذكور والإناث في أماكن تعليمية واحدة، وعلى الرغم مما أحدثه هذا الاختلاط المشين بين الطلاب والطالبات من المفاسد الخلقية، وما سببه من تدني المستوى التعليمي، حتى قال أحد الطلاب المتعثرين دراسياً: "بصراحة ثياب بعض الطالبات تثير شهواتنا الجنسية، وتدفعنا للجلوس خلفهن أثناء المحاضرة، وتضييع بعض المحاضرات من أجلهن"، ومع ذلك فما زالت غالب هذه الدول تتبناه، وتجد من الوسط الاجتماعي والعالمي، والشواهد التاريخية من يؤيده، ويبرر له خُلُقياً وشرعياً، حتى قال أحدهم: "إن بؤرة انحطاطنا النفسي، والاجتماعي، والسياسي، والثقافي هو: هذا الانفصال بين الجنسين"، وقال آخر: "إن الاختلاط السليم لا يأتي طفرة ولا فجأة، بل يجب أن يكون تربية منذ الصغر، وفي كل مراحل الحياة، فلا يجوز الفصل بين الجنسين في جميع مراحل التعليم الأولى وفي البيت والمجتمع: ثم نسمح بالاختلاط في الجامعة فحسب... فالحل إذن هو مزيد من الاختلاط، وليس تقييده على مرحلة دون أخرى، أو مكان دون آخر".
والعجيب في الأمر أن بداية الاختلاط – خاصة في التعليم- لا يزيد عمرها عن مائة عام في دول الغرب، وأقل من خمسين عاماً في بعض الدول العربية، بينما عاشت البشرية منذ فجر التاريخ تفصل بين الجنسين في كل مناشط الحياة – بغض النظر عمَّا قد يلحق المرأة من ظلم عند ممارسة هذا الفصل – مروراً بالحضارات الإنسانية المختلفة، والجاهلية العربية، وفجر الإسلام، وحتى الوقت الحاضر في أرياف المسلمين التي لم تعبث بها الدعوات المشبوهة، لا تزال تمارس الفصل بين الجنسين، وقد ذكرت جريدة المقطم بتاريخ (9) أبريل/نيسان 1932م و(3) ذي الحجة 1359هـ عن أحوال إيطاليا: "أن الفرق بين الجنسين لا يزال عظيماً، فلا تجد شيئاً من اختلاط الشبان بالشابات في جزيرة صقلية، سواء أكانت متزوجة أو عزباء، وأنه لا يسمح لشابة أن تخرج وحدها من منزلها، ولا تنفرد برجل ليس من أهلها"، وقد كانت تقاليد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تقضي بمكوث النساء في البيوت، فإذا حضرن الكنيسة قمن منفصلات عن الرجال، فلم تعرف البشرية من قبل هذا التوجه المفرط المشين نحو الاختلاط إلا في أواخر القرن العشرين الميلادي.