تتبوَّأ الأخلاق في الإسلام المكانة العظيمة ؛ حيث تأتي مرتبتها بعد الإيمان مباشرة ، وتدخل كعنصر رئيس مهم في بناء الحضارة الإنسانية – تماماً – كما تدخل الروح في حياة الجسد ، والاقتصاد كعنصر من عناصر الحضارة تحكمه الأخلاق كما تحكمه العقيدة في نظام الإسلام ، " سواء من حيث الوسائل والنظريات ، أو من حيث المقاصد والأهداف ، فتجمع بإحكام بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ، وتقدم درء المفسدة على جلب المصلحة ، وتقوم على عدم المضارَّة ، وتوفِّق بإحكام بديع بين الحاجات المادية للإنسان وبين حاجته الروحية ، وتجعل للتقوى قيمة اقتصادية واجتماعية كبرى"، فلا يسمح نظام الإسلام الاقتصادي – تحت أي ظرف – بالتخلي عن الأخلاق والقيم والمبادئ في سبيل تحقيق مكاسب مادية ، في الوقت الذي لا يهمل فيه "الإنتاج والإبداع المادي ؛ إذ يعتبره من مقومات الخلافـــة في الأرض ، ولكن لا يجعل منه القيمة العليا التي تستحق أن تُهدر من أجلها أخلاق المجتمع وكرامة الفرد وحريته " ، كما تفعل غالب أنظمة الاقتصاد المعاصرة ؛ وذلك لأنه نظام مادي أخلاقي في وقت واحد ، لا يعرف الفصل بين شؤون الحياة الدنيا وشؤون الحياة الآخرة.
ولما كانت طبيعة التنمية الاقتصادية في ظروفها المعاصرة تُحدث تغييرات اجتماعية سريعة وعنيفة ، تستهدف – بصورة مباشرة – أخلاق المجتمع وعاداته وتقاليده ، فإن أبرز وأخطر مظاهر هذا التغيير الاجتماعي المصاحبة لفعاليات التنمية : مشاركة النساء والفتيات في الشؤون العامة ، وليس ذلك لكونهن عناصر شر اجتماعي ، فهذه نظرة كنسية بائدة, ولكن للفطرة الأنثوية التي جُبلت عليها المرأة ، من حيث " تقبُّل الانفعال بسرعة مع الجو الذي يحيط بها ، فإن كان صالحاً أخذت منه أوفر نصيب ، وإن كان غير ذلك خاضت فيه إلى حدٍّ بعيد " .
وقد ثبت عالمياً – كما هو معلوم تاريخياً - دون استثناء أي مجتمع من المجتمعات ، وبما لا يدع مجالاً للشك أو الريب : أن العلاقة في غاية القوة والارتباط بين الانحرافات الخلقية المتنوعة ، وبين مشاركة النساء والفتيات في أعمال التنمية الاقتصادية الشاملة ؛ بحيث تزيد نسبة انحرافاتهن الخلقية بقدر زيادة نسبة مشاركتهن في الحياة العامة المختلفة ، وتتشابه مع الرجال أنواع غوايتهن بقدر قيامهن بأدوار اجتماعية عامة تشبه أدوار الرجال ؛ وذلك لأن الحياة خارج البيت غير الحياة داخله ؛ من حيث التفاعل الاجتماعي الحيوي الذي يضع المرأة في علاقات اجتماعية جديدة ، ويقذف بها في مواقف انفعالية لم تتعرض لها من قبل ، الأمر الذي أخرجها عن الصورة التقليدية التي كانت عليها في البيت إلى صور جديدة شاذة ، اختلط فيها جمال المرأة وضعفها بقبح العنف وقسوة الجريمة ، فكان عليها أن تدفع من أخلاقها ضريبة كسرها لطوق العزلة الاجتماعية بقدر ما غنمت من المكاسب المادية ، ومبادئ الحرية .